قصة بشر أم شيطان

|بشرٌ أم شيطان؟!


تلفتت لبرهة بعد مئات العواصف التي ارتعدت في رأسها، نظرت إليه لم يكن بصورته البشرية التي يشاهدها المارّة، كانت نظرة عميقة كافية لرفع الستار وظهور الحقيقة، هل هذا بشر؟هل سنطلق كنية إنسان على من فقد إنسانيته بطريقة ما؟!

أسود البشرة وكأنه قطعة من الفحم ،عيناه وكأنهما مخلوقتان من الجمر ، فمه مائل بلكنة مخيفة وتجده ضاحك المبسم وكلما ضحك زاد قبحه، برزت أنيابه، وبان لسانه الأشبه بلسان الأفعى ،هزيل البنية كالهيكل العظمي،إلا أن أصابعه أطول من أن تكون لشخص طبيعي.

التفت أليها فارتعدت أطرافها، تقدم منها فتراجعت هي ،حتى اصطدمت بالحائط من خلفها، وفي كل خطوة يخطوها تتضح صورته لتؤكد بشاعته، لقد أصبح قريبا منها تفصله خطوة أو اثنتان كحد أقصى فقال بصوته الصاخب: ما بالك يا فتاة تنحي جانبا.

شعرته سيباغتني لوهلة وينقض عليّ لينهشني لكنه لم يفعل، أو لربما ينتظر الوقت المناسب ليفعل ذلك، تمنيت لو تفتح لي الحائط بابها السرّي فألوذّ بالفرار، لكن الخيال لن يتمكن من التغلب على هذا الموقف!

 انقضّ على الدُّرج الخاص بي ،فتحه وأخذ يقلب بنَهم، لم يكن إنسانا في نظري، كان دومًا الوحش وكنت أنا ضحيته!

ويظنُّ أنه في كل مرّة يمزّقني فيها ينتصر، والغلبة لي والنصر لي ...فما الذي يزعم أنه نصرٌ إلا مؤقت يبرهن على ضعفه ويحقق له مطلبًا دنيويًا ونصري الذي أجنيه أسمى من أن يكون لبرهة أو يكون لوقت محدد ...حتى أنه أثمّن من أن يكون دنيويا زهيدا.

أخرج قلادتي الثمينة،والتي احتفظ بها كما أهداني إياها والدي قبل أن يتوفاه الله، قلّبها بين يديه، وقال بصوت أشبه بالفحيح:لو بعتها ...ستجلب الكثير.

لست أعلم من أين امتلكت القوة حينها! ولكنني اندفعت إليه مهاجمة محاولة انتزاع كنزي الثمين وذكراي المميزة من بين يديه، قلت بقسوة: دعها ستنجسّها بدناءتك!

فابعدني دون ردّ ،ظللت أحاول حتى دفعني فطرحني أرضًا، واقترب مني ليسدد في معدتي ضربةً أحرزت له هدفه ،تقيأت الحيرة والحسرة والضياع، وتعكرت رؤيتي وكأن غمامة ما تستقر في عيني ...وقلادتي!

نهضت من فوري أحاول مرة أخرى، وأقول بتلقائية:قلادتي...قلادتي، ردّها إليّ...

دموعي تنساب دون أن أدرك ذلك، ما تبقى لي من الطاقة على مشارف الإنتهاء، وعقلي متوقف تماما ،فأعاد طرحي بعنفوان ،حلقت في شطر من الثانية كورقة أسقطها الخريف ولكني هويت أخيرا كفتاة زجاجية أصبحت فُتاتًا ...

غادر بها تتبعها سعادتي وأحلامي وذكرياتي، كان جسدي متعبا أهو من قلة الغذاء الذي اقتاد منه بضع لقيمات يقمنّ صُلبي ،أم من المكان الذي أنام فيه بين الرطوبة والعفن والأثاث الملقى بعبثية في غرفة لا تزيد عن متر في متر إلا قليلا!

وشرشف الطاولة التي كنا نجلس عليها مجتمعين مع والدي ،الذي استقر بين أنياب هذا الوحش عندما توفى فيرميه عليّ ويقول لي غطاؤك !

فالبردّ طوّقني، لا الحبّ أعطاني ولا مــــــــاء أسقانِ

فكيف تُذّلني وتلومني وقد كنت لوالدي عظيمة شانِ

لم تعد تستطيع السيطرة ،يدها ثقيلة كالجبال ،ومقلتاها نبعان متفجّرّان...ظهر طيف والدها من بين هذا الركام ،وكل تلك الألام فابتسمت مهللة ومرحبة، وفارقت الدّنيا وعلى ثغرها ابتسام...

على لسان الفتاة: 

لو كان باستطاعتي أن أترك رسالة للبشر، لأخبرتهم أن يكونوا بشرًا لا شيطان،وأن يحافظ كلٌ منهم على ملامحهِ كإنسان.

نور عليان