رسائل جبران إلى مي زيادة

الرسالة الأولى بين جبران ومي
رحلة الحب الصادق بين جبران خليل جبران الشاعر والأديب والكاتب اللبناني وواحدٌ من أشهر أدباء وشعراء المهجر في أمريكا، حيث هاجر إليها صغيرًا مع والدته ومي زيادة الشاعرة والأديبة الفلسطينية التي لمَعَ نجمُها كأديبةٍ وكاتبةٍ وخطيبةٍ في القاهرة بعد تأسيسها ندوة الثلاثاء -ندوة أسبوعبة- جمعت فيها أدباء عصرها الذين ارتبطوا بها ارتباطًا روحيًّا وكانت ملهمة عددٍ منهم، أمّا هي فارتبطت روحيًّا وعقليًّا بجبران، وتجلّى ذلك من رسائل جبران إلى مي زيادة وبالعكس. بدأت رحلة الحب الصادق بين جبران ومي والتي استمرّت قرابة العشرين عامًا حتى وفاة جبران بداء السل في أمريكا سنة 1931م برسالةٍ أرسلتها مي إلى جبران كانت فاتحة الحب بينهما سنة 1912م بعد صدور روايته "الأجنحة المتكسرة" مبديةً رأيها في تلك الراوية، وبعدها توالى تبادل الرسائل بين جبران ومي زيادة، وكان فحوى معظم هذه الرسائل نقاشاتٍ أدبيةٍ حول أعمالهما الأدبية والشعرية أو أعمال غيرهما من الكُتاب والأدباء، إلى جانب عددٍ من الرسائل المتضمّنة للحبّ دون تصريحٍ إلى أن بادرت الأديبة مي زيادة بالاعتراف بهذا الحب من خلال رسالةٍ أرسلتها إلى جبران وهي في الخامسة والثلاثين من عمرها.
 رسائل جبران إلى مي زيادة
بدأت رسائل جبران إلى مي زيادة ردًّا على رسالتِها الأولى حول رأيها في روايته "الأجنحة المتكسرة"، وبعدها توالى تبادل الرسائل بينهما، لكنّ الجزء الأهمّ والأبرز في رسائل جبران إلى مي زيادة تلك التي تتمحور حول علاقة الحب التي نشأت بينهما على مدار عشرين عامًا دون أن يلتقيا ولو مرةً واحدةً، وجاء في رسالة جبران التي رَدّ فيها على اعتراف مي بحبها له: "تقولين لي أنك تخافين الحب، لماذا تخافين يا صغيرتي، أتخافين نورَ الشمس، أتخافين مدَّ البحر، أتخافين مجيء الربيع، لماذا يا ترى تخافين الحب. أنا أعلم أن القليل من الحب لا يرضيكِ، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني. أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل، نحن نريد الكثير. نحن نريد كل شيءٍ، نحن نريد الكمال، لا تخافي الحب يا ماري -الاسم الحقيقي لمي زيادة-. لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي. علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة".

 رسائل جبران إلى مي زيادة البالغ عددها سبعًا وثلاثين رسالة جمعَها في كتابٍ أسماه الشعلة الزرقاء ومن تلك الرسائل: "أنت تحيين فيّ وأنا أحيا فيك، أنت تعلمينَ ذلك وأنا أعلم ذلك"، ويقول لمي زيادة في رسالةٍ ثالثةٍ: "أنتِ أقرب الناس إلى روحي، أنتِ أقرب الناس إلى قلبي، ونحن لم نتخاصمْ قط بروحيْنا أو بقلبيْنا، لم نتخاصمْ بغير الفكر، والفكر شيءٌ مكتسَبٌ، شيءٌ نقتبسه من المحيط، من المرئيات، من مآتي الأيام، أمّا الروح والقلب فقد كانا فينا جوهرييْن علوييْن قبل أن نفتكر"، يقول جبران مخاطبًا مي زيادة في واحدةٍ من رسائله: "أنت يا مي كنز من كنوز الحياة، بل وأكثر من ذلك أنتِ أنتِ، وإني أحمد الله لأنكِ من أمةٍ أنا من أبناها، ولأنَّكِ عائشةٌ في زمنٍ أعيش فيه، كلما تخيلتكِ عائشة في القرن الماضي أو في القرن الآتي رفعتُ يدي وخفقتُ بها الهوا كمن يريد أن يزيل غيمةً من الدخان من أمام وجهه"، والجدير بالذكر بحسب كتاب الشعلة الزرقاء أنّ أول رسالةٍ من جبران إلى مي كانت بتاريخ الـ 24 من شهر يناير/ كانون الثاني سنة 1919 وجاء فيها: "حضرة الأديبة الفاضلة الآنسة ماري زيادة المحترمة، سلام على روحكِ الطيبة الجميلة، وبعد .. فقد استلمتُ اليوم أعداد المقتطف التي تفضلت بإرسالها إليّ فقرأت مقالاتكِ الواحدة أثر الأخرى وأنا بين السرور العميق والإعجاب الشديد. إن مقالاتكِ هذه تبين سحر مواهبكِ وغزارة اطلاعك وملحة ذوقكِ في الانتقاء والانتخاب"، واستمرّ تبادل الرسائل بينهما حتى إعلان وفاة الأديب اللبناني جبران خليل جبران في أحد مستشفيات نيويورك بسبب إصابته بداء السل وتزامَن تلك الإصابة مع إصابته بتليُّف الكبد المزمن في تاريخ 1931م، لتطوى واحدةٌ من قصص الحب دون لقاءٍ والتي عبر عنها جبران في رسائله بكلمة يفصل بيننا سبعة آلاف ميلٍ.