تاريخ الانهيارات المالية من الكساد العظيم إلى كوفيد-19

غالبًا ما يرتبط الانهيار بأسعار الأسهم المتداولة في أسواق الأوراق المالية المتضخمة، على الرغم من ذلك يمكن لأي سوق أن ينهار، بما في ذلك أسواق السندات وأسواق السلع، على سبيل المثال، انهيار سوق النفط الدولية في عام 2016، ولكنها ترتبط في الغالب بأسواق الأسهم.

يمكن أن يحدث الانهيار بسبب الظروف الاقتصادية، مثل التخلص من الكثير من الرافعة المالية داخل السوق، والهلع، وهو عندما يبدأ السوق الذي يتحرك إلى أسفل في إثارة الخوف لدى المشاركين الذين يرغبون في البيع بأي ثمن. مثل الانهيار المفاجئ لعام 2010، بسبب مشاكل في الآليات الأساسية للسوق.

يمكن أن يكون الذعر العام حول انهيار السوق مساهمًا رئيسيًّا في ذلك، مما يؤدي إلى اندفاع في البيع بذعر، يؤدي إلى انخفاض الأسعار بشكل أكبر، حيث تحدث الانهيارات عادة عندما يبدأ المشاركون في السوق في بيع الأصول أثناء حالة من الذعر السائد أو لتغطية الاستثمارات ذات المديونية المفرطة التي يجب أن يتم بيعها لتغطية الديون.

أشهر الانهيارات المالية في تاريخ الاقتصاد

كانت هناك العديد من الانهيارات السوقية الشهيرة في القرنين العشرين والحادي والعشرين، حيث تشمل الانهيارات المالية الشهيرة في سوق الأسهم تلك التي حدثت خلال الكساد الكبير عام 1929، والاثنين الأسود لعام 1987، وانفجار فقاعة الدوت كوم عام 2001، والأزمة المالية لعام 2008، ومؤخرًا أحدث انهيار حدث في سوق الأسهم أثناء جائحة كورونا في 12 مارس 2020.

جائحة كورونا – الخميس الأسود، 2020

نبدأ مع واحدة من أحدث وأسوأ أيام مؤشر “Dow Jones Industrial – داو جونز الصناعي” على مدار التاريخ الاقتصادي. كان يوم الخميس الأسود، الموافق 12 مارس 2020، حيث شهد المؤشر أكبر نسبة انخفاض في يوم واحد في تاريخه منذ يوم الاثنين الأسود 1987. فقد انخفض من 2352.60 نقطة إلى 21200.62 نقطة، أي بانخفاض بنسبة 9.99%.

قبلها بأيام، وتحديدًا يوم الاثنين الأسود، الموافق 9 مارس 2020، كان مؤشر “داو جونز” قد انخفض بما نسبته 7.79%، كان المؤشر قد وصل للتو إلى أعلى مستوى قياسي له عند نقطة 29551.42 في 12 فبراير 2020؛ ليدخل مؤشر “داو جونز” منطقة السوق الهابط، بداية يوم 5 مارس 2009، منهيًا مرحلة السوق الصاعد، والتي استمرت 11 عامًا، في أعقاب الأزمة المالية العالمية العقد الماضي.

ومن المرجح جدًا أن يشهد الاقتصاد العالمي هذا العام 2020 أسوأ ركود تَعَرَّض له منذ أزمة “الكساد العظيم”، متجاوزًا في ذلك كل تداعيات الأزمة المالية العالمية لعام 2008، ليرى انكماشًا حادًا بواقع -3% خلال عام 2020، وهو أسوأ بكثير مما ترتب على الأزمة المالية العالمية. وفي أحد السيناريوهات الأساسية المحتملة، يفترض انحسار جائحة كورونا في النصف الثاني من عام 2020، مع عودة النشاط الاقتصادي إلى طبيعته بالتدريج.

أزمة اليوان الصيني – الاثنين الأسود، 2015


جراء حرب العملات، واندلاع المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، وعدم اليقين بشأن تخفيض قيمة اليوان، ففي أغسطس 2015، خفّض البنك المركزي الصيني قيمة عملته (سعر صرف اليوان) بشكل حاد مقابل الدولار بنسبة 3%، أي إلى أدنى مستوياتها (حينها) منذ ثلاث سنوات مقابل الدولار الأمريكي، مما تسبب في صدمة أسواق الأسهم العالمية.

مما تسبب في انخفاض مؤشر “داو جونز الصناعي”، يوم الاثنين الموافق 24 أغسطس 2015، بمقدار 1.089 نقطة ليصل إلى مستوى 15370.33 نقطة، بمجرد افتتاح السوق. كان انخفاضًا بنسبة 16% من أعلى مستوى سابق له، في 19 مايو، عند 18،312.39 نقطة. غير أنه تعافى بسرعة خلال جلسة التداول، وأغلق منخفضًا بمقدار 533 نقطة فقط، ليغلق على انخفاض بنسبة 10%، مما يجعله تصحيحًا للسوق وليس انهيارًا.

الصدمة النفطية الأولى – أكتوبر، 1973

صدمة أسعار نفط أوبك المعروفة بـ “حظر النفط”، بدأت في 15 أكتوبر عام 1973، عندما قررت الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول، Organization of the Petroleum Exporting Countries المعروفة اختصارًا بـ “OPEC – أوبك” المكونة بشكل أساسي من الدول العربية – الانتقام من الولايات المتحدة ردًا على إرسال إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل خلال حرب أكتوبر عام 1973، حيث أعلنت دول أوبك فرض حظر على النفط، مما أوقف فجأة صادرات النفط إلى الولايات المتحدة وحلفائها. تسبب هذا في نقص كبير في النفط وارتفاع حاد في أسعار النفط وأدى إلى أزمة اقتصادية في الولايات المتحدة والعديد من البلدان المتقدمة الأخرى.

ما كان فريدًا في الأزمة التي تلت ذلك، هو حدوث تضخم مرتفع جدًا في وقت واحد (بسبب ارتفاع أسعار الطاقة) والركود الاقتصادي (بسبب الأزمة الاقتصادية). ونتيجة لذلك، أطلق الاقتصاديون على هذه الحقبة فترة “stagflation – الركود التضخمي” (الركود بالإضافة إلى التضخم)، واستغرق الأمر عدة سنوات حتى يتعافى الناتج ويهبط التضخم إلى مستوياته السابقة للأزمة.

وقد اعتبرت أزمة النفط 1973، جنبًا إلى جنب مع انهيار سوق الأوراق المالية (1973-1974)، أول حدث منذ الكساد الكبير، ذو آثار اقتصادية مستمرة. في 694 يومًا (من 11 يناير 1973 إلى 6 ديسمبر 1974)، كان مؤشر “داو جونز الصناعي” قد خسر أكثر من 45% من قيمته، مما جعله يتحمل سابع أسوأ هبوط في تاريخ المؤشر.

الدرس المستفاد

هل تاريخ الانهيارات المالية والأزمات الاقتصادية مقدر له التكرار مرات ومرات؟ هُنا يمكننا القول إن تاريخ الاقتصاد العالمي يحفل بالعديد من الانهيارات المالية والأزمات المليئة بالقصص عن العمال والموظفين والمزارعين الفقراء ورجال الأعمال والسياسيين وربات البيوت وغيرهم، ويؤدي الانهيار تلو الآخر إلى وضع لوائح تقضي باستخدام أسلوب “لا تتكرر مرة أخرى” في خطط الإنقاذ والتعامل الحكومي مع الأزمة، إلا من أجل ظهور أزمة أخرى، وأحيانًا في العام التالي أو بعدها بسنوات قليلة. مع كل أزمة عاشها العالم كان هناك بوادر وتداعيات ومسببات تختلف عن الأخرى، ولكن دائمًا ما تتحسن الأمور ويتعافى الاقتصاد ولو بعد حين.. عليك بالتفاؤل…