الإسكندرية  في روايات تحكي ما فعله الزمن بها!

روايات تدور أحداثها في الإسكندرية

لطالما كانت مدينة الإسكندرية ميدانًا للأدب والتأليف ومجمع المثقفين بجميع أجناسهم. وهي المدينة التي مرت بأحداث تاريخية ساهمت في تشكيل الشخصية الأدبية للعديد من الأدباء والمفكرين مثل قسطنطين كفافيس ولورانس داريل وغيرهم من الأدباء الذين ساروا على نفس درب هذين الكاتبين الكبار للكتابة عن هذه المدينة الرخامية البيضاء. وكانت لنداهة الاسكندرية تأثير خاص على كل من زارها، فتستقطبهم وتسحرهم للعيش فيها للأبد.

رباعية الاسكندرية للكاتب لورانس داريل

الكاتب الإنجليزي لورانس داريل هو الأب الشرعي لأدباء الإسكندرية، فقد ألهمت رباعيته العديد من الأدباء للكتابة عن تلك المدينة العالمية. عاش لورانس داريل فترة من حياته في مصر إبان الاحتلال البريطاني لمصر، كما أنه عمل الملحق الصحافي لبلاده في الإسكندرية وتحديدًا عام 1942م. وكان يؤمن بشدة بتأثير المكان على مزاج الإنسان لذلك نجد أن مدينة الاسكندرية تلون العمل بأكمله. 

نُشرت الكتب الأربعة للرباعية في الأصل بشكل منفصل – “جوستين” في عام 1957، “بلتازار” و”ماونت أوليف” في عام 1958، وأخيرًا “كليا” في عام 1960. وسرعان ما تم الاعتراف بها على أنها مجموعة من الأعمال الفنية الرائعة، التي عشقها النقاد الفرنسيون والأمريكيون، ولكن لم يتفق عليها الإنجليز فقد وجدها البعض غريبةً بعض الشيء، وكان ذلك نتيجة لإدخال أسلوبه الجديد على الأدب الإنجليزي. 

كانت رباعية الإسكندرية بداية انتهاء زمن الكتابة التقليدية، حيث حاول الكاتب تطبيق نظرية النسبية للعالم الرياضي أينشتاين في طريقة سرده للأحداث مما جعلها متشابكة وأكثر تعقيدًا لتنحل هذه العقدة مع آخر عمل في هذه الرباعية، وكان ذلك عن طريق سرد حدث واحد من منظور أربعة أشخاص مختلفين من زوايا متعددة. يُمثل كل جزء من أجزاء الرباعية عملًا روائيًا مستقلًا، وكلها تدور حول مجموعة من الأوروبيين والمصريين يعيشون في الإسكندرية ينتمون إلى جمعية يهودية سرية فكرية، التي يُفترض أنها تجتمع لدراسة تعاليم الكابالا اليهودية -مذهب فلسفي- ظاهريًا، ولكن نكتشف أن للجمعية أهداف أخرى سياسية، حيث يخطط أعضاؤها لطرد البريطانيين من فلسطين وإحلال الحكومة اليهودية مكانها.

نجح هذا البناء الخيالي الضخم في الصمود أمام اختبارات الزمن والذوق، فقد أعادت خلق بناء المدينة من جديد مما جعلت القارئ المصري ينظر إليها نظرة السائح الأجنبي. وقد تُرجمت كاملة لأول مرة على يد فخري لبيب عام 2009م.

ميرامار للأديب المصري نجيب محفوظميرامار هي رباعية الإسكندرية الجديدة الخاصة بنجيب محفوظ، وكالعادة يتحوّل المكان ليكون البطل الرئيسي في أدب نجيب محفوظ، فكما تعرفنا على قاهرة نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة سنتعرف على الإسكندرية في رواية ميرامار أو رباعية الإسكندرية الجديدة، كما يسميها البعض.

تدور أحداث الرواية في فندق صغير في الإسكندرية يقع في محطة الرمل تحديدًا، يُدعى بنسيون فؤاد والذي سُمي ميرامار فيما بعد نسبة إلى هذه الرواية. وقد اختار نجيب محفوظ هذا الاسم الأجنبي بالذات لأنه كان يعتبر الإسكندرية ميدان لامتزاج الثقافات المختلفة، فهو يرى أن اسم فؤاد محلي جدًا ولا يعبّر عن الإسكندرية.  

ذلك الفندق الذي تديره سيدة يونانية الجنسية، ويعيش به أربعة شخصيات مختلفة، لكل منهم تفاصيله المختلفة مع المكان. قدّمت الرواية رؤية واضحة للصراعات الطبقية والسياسية والإجتماعية والفكريّة من خلال الشخصيات التي تعكس المجتمع المصري في ستينيات القرن الماضي والتي تدور أحداثها أثناء ثورة يوليو -الحركة الأكثر تأثيرًا على تاريخ مصر.

صدرت الرواية عام 1967م ثم تُرجمت إلى الإنجليزية على يد المترجمة فاطمة موسى عام 1978م وتم تجسيدها عام 1969م في فيلم يحمل نفس اسم الرواية من إخراج المخرج الكبير كمال الشيخ وبطولة النجمة الشهيرة شادية والذي اختير ضمن أهم 100 فيلم قدمتها السينما المصرية.

لا أحد ينام في الإسكندرية للكاتب إبراهيم عبد المجيد

ننتقل إلى رواية لا أحد ينام في الإسكندرية وهي أولى ثلاثية الإسكندرية للكاتب إبراهيم عبد المجيد، وهو روائي مصري كبير من صنع مدينة الإسكندرية. نُشرت الرواية لأول مرة عام 1996م وفازت بجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب لأحسن رواية لنفس العام، ثم قامت دار نشر الشروق بإصدارها في طبعة محسّنة من 453 صفحة عام 2004م. وقد تمّ ترجمتها إلى الإنجليزية على يد المترجم فاروق عبد الوهاب عام 2006م، لكي تصنف بعدها ضمن قائمة أفضل مئة رواية عالمية من الأعمال الأدبية الحديثة. وفي عام 2006 تم تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني يحمل نفس الاسم. 

تبدأ الرواية ببدء الحرب العالمية الثانية وتنتهي بنهايتها، وقد تناولت عدة محاور، منهم وصف الحياة السياسية والاجتماعية -وبالطبع الفنية- لمدينة الإسكندرية إبان الحرب، ووصف الحياة العسكرية بين قوات المحور والتحالف في أفريقيا، وناقشت أيضًا طبيعة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين. ويُرجع الكاتب الفضل في كتابته لهذه الرواية إلى والده، حيث كان يسرد عليه قصص الحرب قديمًا.

“إنها رواية المكان بامتياز، فهي تسبح في أركان مدينة من أعرق المدن العربية، بل والعالمية، وهي الإسكندرية”. – الناقد الدكتور حامد أبو أحمد، أستاذ اللغة الإسبانية في كلية اللغات والترجمة في جامعة الأزهر.

استغرق الكاتب ست سنوات لكتابة تحفته الفنية تلك، فقد استغرقها في القراءة ومطالعة الجرائد وما كتبته عن مدينة الإسكندرية أيام الحرب، والقليل من السفر والمشي في رمال الصحراء حافيًا حيث وقف على أماكن الحرب العالمية الثانية ليستشعر تغيّر المناخ واستحضار جو الحرب، مما جعل هذه الرواية مميزة حقًا. واختيرت لا أحد ينام في الإسكندرية أفضل رواية في مصر، ثم وقع عليها الاختيار لتكون من ضمن قائمة أفضل مئة رواية عربية وعالمية. 

رباعية بحري للكاتب السكندري محمد جبريل

نُشرت رباعية بحري عام 1998م للكاتب الإسكندري محمد جبريل وتضم أربع روايات (أبو العباس، ياقوت العرش، البوصيري، علي تمراز) وهي أسماء لأربعة من أولياء الله الصالحين التي تمثل مساجدهم معالم مهمة في حي بحري.

وتقع الأحداث في الفترة الأكثر ازدحامًا في تاريخ مصر بالأحداث والشخصيات -فترة ما قبل نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى مطلع الخمسينيات. تميزت الرباعية بتعدد الشخصيات وعلى الرغم من تعددها وتنوعها إلا أن الكاتب منح كل شخصية حقها في الظهور دون إبخاس أو إفراط. 

هي رباعية مكان كما يقولون، فالأماكن لم تقل أهمية عن الأشخاص، حيث يظهر المكان كبطل رئيسي في الأحداث فينقل لنا الكاتب كل تفاصيل المكان دون إهمال أي جزء حتى ولو كان بسيطًا، فيعطي القارئ الشعور بأنه رجع بالزمن ليحيا في الإسكندرية في فترة ما قبل حركة يوليو 1952م.