مصر مهد الحضارة، هذه الجملة شائعة كثيرًا، لكن تُرى من أين جاءت؟ ربما لأنّ هذه الأرض شهدت واحدة من أعرق الحضارات في الماضي. يخبرنا التاريخ أنّ المصريين القدماء حققوا نجاحات علمية هائلة، إضافة إلى تحضرهم الذي بقي أثره حتى يومنا هذا وتشهد على ذلك الآثار الصامدة منذ آلاف السنين. لقد أحرزوا قفزات سريعة في العلوم والكتابة والتحضر.
نبذة عن مصر أو إيجيبت أيهما أقرب
حكمت مصر القديمة أراضٍ كثيرة خارج حدود الدولة الحديثة، منها: قبرص والسودان وفلسطين ولبنان وسوريا (ولو لفترات قصيرة). كما ارتبطت حضارة المصريين القدماء بأجزاء العالم المختلفة وتبادلت معها البضائع والطعام والأفكار والأديان. طمع الكثير من الغزاة في أرض مصر واحتلتها قوى كبيرة مثل: الفرس والإغريق والرومان والنوبيين. يُشار إلى حكام مصر في السابق باسم الفراعنة، وكلمة فرعون مشتقة من مصطلح يعني البيت العظيم، وأُطلق لأول مرة خلال حكم تحتمس الثالث (1479-1425 قبل الميلاد).
ليس واضحًا متى بالضبط وصل البشر الأوائل إلى أرض مصر، لكن الأكيد أنهم وصلوا في عصور ما قبل التاريخ. ويُعتقد أنَّ مصر قد استُخدمت كطريق للوصول إلى آسيا. بدأ البشر يتجهون نحو الزراعة فيها قبل 7 آلاف عام. ويرجع تاريخ أقدم النقوشِ المكتوبة عن الحُكام الأوائل إلى حوالي 5200 عام، ومنهم حاكم يُدعى “إري حور” مؤسس مدينة ممفيس. والجدير بالذكر أنّ مدينة ممفيس كانت عاصمة مصر لمعظم الوقت عبر التاريخ.
يُعتَقد أنّ مناخ مصر كان أكثر رطوبة في عصور ما قبل التاريخ، مما يعني أنّ بعض المناطق الصحراوية الآن كانت خصبة في الماضي. وأقرب مثال على ذلك، كهف السباحين في جنوب غرب مصر على مقربة من الحدود الليبية، هذا الكهف محاط اليوم بأميالٍ من الصحراء. مع ذلك، إنه يحتوي على فن صخري دقيق فسره العلماء على أنه سباحة، لذلك سُمي بكهفِ السباحين.
قُسِمَ تاريخ مصر إلى 30 أسرة، وكان أول مَن وضع هذا التقليد رجل يُدعى مانيتو، وهو مؤرخ مصري عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، كلفه بطليموس الثاني- حاكم مصر آنذاك- بكتابة تاريخ مصر القديمة. سعى اليونانيون للحفاظ على روايات مانيتو ولكن أغلبها فُقد أثناء حريق مكتبة الإسكندرية.
عادةً ما يستخدم علماء العصر الحديث نهج مانيتو في تقسيم تاريخ مصر. ويعود تاريخ الأسر الأولى والثانية إلى 5 آلاف عام، ويُطلق على هذه الفترة “الأسر المُبكرة”. وأول فرعون لهذه الأسر الأولى هو مينا الذي عاش منذ أكثر من 5 آلاف عام. كثيرًا ما يُنسب إلى مينا بأنه موحد مصر، لكن الأدلة التاريخية اليوم تنفي هذا الأمر وتشير إلى أنّ هناك حُكام مصريين وحدوا البلاد قبل مينا.
توالت الأسر الفرعونية على مصر حتى جاء الإسكندر الأكبر وتركها لسلالةِ البطالمة ثم الرومان ودخلت المسيحية مصر ثم جاء الفتح العربي. بدأت الدولة في التطور حتى وصلت إلى وضعها الحالي في العصر الحديث. نطلق عليها نحن المصريين والعرب “مصر”، لكن هناك من يدعونها ايجيبت “Egypt”!
أصل كلمة إيجيبت “Egypt”
تشير بعض الآراء إلى أنَّ أصلها يعود للكلمة اليونانية “Aígyptos”، وكان يُقابلها كلمة “Egypte” في الفرنسية وكلمة “Aegyptus” في اللاتينية. لكن هناك جدل حول نسب أصل الكلمة إلى اليونانية، فهناك رأي يزعم بأنَّ كلمة “Aígyptos” هي الصيغة اليونانية لكلمة حيكوبتاح “Hikuptah”، إنها كلمة مصرية قديمة من كلمة “Hwt-ka-Ptah” (حوت-كا-بتاح) وهي تعني بيت روح بتاح. إشارة إلى مدينة ممفيس وكان الإله الرئيسي هناك وقتها هو بتاح.
من ناحية أخرى، هناك مؤرخ وجغرافي يوناني معروف يُدعى سترابو، عاش بين عامي 63 قبل الميلاد و23 بعد الميلاد. زعم سترابو بأنّ المقصود من كلمة Aígyptos هو “Aigaiou huptiōs” وتعني تقع تحت بحر إيجة، وهو أحد فروع البحر الأبيض المتوسط (بالمناسبة، مصر تطل على ساحل البحر المتوسط شمالًا).
كلمة مصر “Misr”
في اللغة العربية الفصحى، يُطلق عليها مصر “Misr”. وهي كلمة من أصول سامية (لغة للساميين، الذين يُنسبون إلى سام بن نوح). وذُكرت مصر بهذا الاسم في القرآن الكريم، علمًا بأنّ لغة القرآن هي العربية الفصحى. وتتشابه إلى حدٍ كبيرٍ مع كلمة “مصرايم” في اللغة العبرية. في الأكدية تسمى مِصرو “miṣru”، وهي تعني بالصيغة الأكدية كلمة مثل حدود. وبالنظر إلى موقع مصر الجغرافي، نجد أنها تقع على حدود القارات فعلًا. حتى إنها تعني في العربية الفصحى “حصن”، وهذا يشير إلى حماية حدودها الطبيعية لها ضد الغزاة في كل زمان.
الأرض السوداء
تميزت أرض مصر بالتربة الخصبة في السهول الفيضية على جانبي نهر النيل. لذلك، أطلق عليها اسم “كمت” وهو يعني الأرض السوداء. يجادل العلماء بشأن ما إذا كان نطق الاسم الحديث صحيح أم لا، فربما كان نطقه مختلفًا وقتها. لكن على أية حال، هو اسم من أسماء مصر القديمة.
يعتقد العلماء أنّ اسم “كمت” مشتق من التربة الخصبة التي يتركها فيضان نهر النيل بين شهري يونيو وأغسطس. وهذه هي التربة السوداء. لعِبت خصوبة الأرض دورًا حيويًا في بقاء حضارة مصر على مر العصور، حتى أنّها أثرت في الديانات وعقائد المصريين القدماء.
تعددت الأسماء والأرض واحدة
وأخيرًا.. سواء كانت مصر أو إيجيبت أو كمت، يكفي أنها أم الدنيا حتى وإن تدهورت أحوالها في وقتٍ من الأوقات. يشهد التاريخ على صمودها وقوة إرادة شعبها على مر الزمان. إضافة إلى تكريمها من الأديان وذِكرها في الكُتب السماوية، هذا شرف كافٍ. إنها نفس الأرض التي شهدت على حضارة خُصص لها ما يسمونه بعلم المصريات فقط من أجل دراسة والبحث عما فعله أبناء هذه الحضارة ليُذاع صيتهم في كل العالم هكذا.