رائعة أغاثا كريستي .. السيد كوين الغامض!

إخفاء هدف القصة بين الدراما

وكأنني بعقلي كلما حاول أن يستشف مغزى الرواية يجد الكاتبة قطعت عليه الطريق بحنكة بإسدالها الستار على قصة لكي تبدأ واحدة أخرى يلاحقها عقلي وﻻ يكاد يقف على حقيقتها إﻻ ويجد أحداثها قد سبقت وتسارعت وتيرتها حتى تنتهي ويبدأ فصل جديد!

وإنك إذ تقرأ تلك الرواية، ﻻ تلبث أن تجد قصصها عادية وقد تحدث كثيرًا، إﻻ أن طريقة ظهور شخصية السيد كوين في كل قصة، باﻹضافة إلى توقيت ظهوره، ينقلان ذهنك في كل مرة بين خيوط القصة الدرامية وسلسلة أحداثها التي ﻻ تريد أن تقطعها، وبين حقيقة تلك الشخصية الغامضة المتحفظة لبطل الرواية.\


منظور الشخص الواحد

كما أن أجاثا قد قدمت شيئًا رائعًا في تلك الرواية يشبه المونودراما، فقد جعلت تصف الشخصيات في الكثير من أنحاء الرواية من منظور شخص واحد، وهو ساترثويت. وفي رأيي فإنه هو البطل الحقيقي للقصة، ذلك العجوز الذي ﻻ يكف عن ملاحقة الناس بعينيه وانتقادهم.

ولكي تجعل الأمر أكثر منطقية بالنسبة للقارئ، فإنها قد وضحت في بداية الرواية أن ساترثويت، ذلك العجوز، لديه الكثير من الطباع الأنثوية. تلك الطباع التي تهتم للتفاصيل بشكل مبالغ فيه أحيانًا، أعني. كم رجلا قابلته في حياتك يبدي ملاحظة بشأن صبغ امرأة لشعرها؟ وبتلك الصفة التي خلعتها عليه، فقد صورت الكثير من المشاهد في الرواية من منظور رائع لشخص نقدي يهتم بالتفاصيل.

ﻻ أنوي أن أجعل هذا المقال طويلًا، فطوله ﻻ يأتي إﻻ على أنني سأفصل ما يحدث في تلك الرواية! وهذا ما لن أفعله بالطبع لكي ﻻ أفسد عليك القصة. وإنما أنا أبين لك أن تلك الرواية تبحث فيها الكاتبة عن قيمة عميقة جدًا قد أخفتها ببراعة شديدة بطيات القصص التي تحملها هذه الرواية، ولم أصل إلى ذلك المعنى إﻻ في آخر سطر منها. الأمر الذي جعلني أفغر فاهي برهة أمام ذلك العمل المهيب الذي قدمته الكاتبة الشهيرة.

كانت تلك أول مرة يختفي فيها مقصد كتاب عن عقلي حتى أصل إلى آخر سطر فيه! فإنني أذكر كم المرات التي تركت روايات في منتصفها ﻷنني أدركت ما وراءها. بل أحيانًا في بعض القصص ذات الأفكار المستهلكة، عرضتها على أختي في صورة فيلم رسوم جرافيك أعجبها، ما إن رأيت أول مشهد حتى أخبرتها بمغزى الفيلم. بالطبع فقد أفسدت عليها بحماقتي فرحة إخباري بشئ جديد.


ما يفعله كوين تحديداً

إﻻ أن تلك الرواية قد ملكت على جوارحي فما تركتها منذ أن أخذتها من صديقي ذلك إﻻ حينما وصلت ﻵخرها من أول مرة فتحتها فيها! وإنك إذ ترى في تلك القصة، ترى هارلي كوين، ذلك البطل الغامض العبقري الذي يقود شخصيات القصة الأولى في استنتاج منطقي محض ليكشف تفاصيل جريمة وقعت قبل عشر سنوات، كي يبرئ ساحة امرأة بالنهاية، هي ذات المرأة التي تعجب ساترثويت، ذلك العجوز، من صبغها لشعرها.

ثم تنتقل معه لكي، ربما ﻻ تلاحظ ظهوره المخطَّط له قبل كل حادثة، ففي القصة الثانية مثلًا تضع له أجاثا كريستي موعدًا مع أحد شخصيات القصة الثانية بشأن صورة ما، وبالطبع فإن الأمر يؤجل إلى حين قيادته لدفة الحوار بشكل منطقي بحت لشخصيات القصة حتى يصلوا إلى الحقيقة!

إسدال ستاري على المقال!

ربما على الاعتراف أن أجاثا كريستي تستحق كل تلك الشهرة التي نالتها رواياتها، لكن هذا شأن كل كاتب عظيم على أي حال! وإنني بالنهاية أشدد على تذكيري إياك أن تستشف مغزى تلك الرواية الرائعة بعد قراءتها.

فربما تكون أسرع مني في الوصول إلى ما تريد كريستي قوله فيها، وربما تكتبه إن شئت في التعليقات هنا أو تراسلني به، فإنني ﻻ أدعي أني قد تأكدت من استنتاجي من كريستي على أي حال، وإنما هو استنتاجي المحض عما أرادت البحث فيه بكتابتها لتلك الرواية.

ولكي أوفر عليك وقتًا في طريق مسدود، فإنك لن ترى مغزى الرواية الذي أعنيه مكتوبا في سطورها، وإنما عليك أن تراه بعيني عقلك! فكما ستلاحظ من أسلوب كوين في تلك الرواية، فإنه يدفع شخصيات القصة إلى رؤية ما ﻻ تبصره أعينهم، وهكذا حال أي موضوع شائك يحتاج أن تراه من عدة أبعاد كي تقرر حكمك فيه.