هذه الرواية للروائية والقاصة العراقية ابنة بغداد ميسلون
هادي، كانت صدرت عام 2018 عن دار الذاكرة للنشر والتوزيع في بغداد، تحكي فيها قصة روائية
تصل إلى سكن جديد فتكون جارتها شابة ناشئة للتو أنجزت روايتها الجديدة، فتطلب منها
قراءة عملها وتقييمه بفضل خبرتها كروائية.
من خلال هذا العمل ستقرأ الكثير والكثير من تفاصيل المجتمع العراقي، ستدخل وتخرج العديد من البيوت العراقية من خلال أسلوب سرد روائي متقن خفيف بعيد عن التعقيد والرتابة الأدبية، ستتعرف إلى ذكريات من تاريخ المجتمع العراقي المعاصر أقرب ما يكون لتوثيق لسنوات الحرب والقتل والجريمة التي عاشها الكثير من العراقيين.
فـ ما الحياة سوى انثى... يمر الرجال يومياً من الأزقة والشوارع وحتى البيوت دون أن يلتفتوا لتفاصيلها، يجهلون خفايا الجمال الذي يكمن بين طياتها.
التفاصيل من اختصاص الأنثى وما أن تقع في العشق فستبدع لا محال في رسمها وتدوينها كما فعلت ميسلون هادي في أخوة محمد... الذاكرة الحية التي حفظت بين طياتها الكثير ولكن وفق آليات سردية موجزة ومتقنة دون أن يخل ذلك الإيجاز بإيصال فحوى الأفكار وتوثيقها في ذهن المتلقي، إذ اتبعت الكاتبة اسلوباً خاصاً لطرح مواضيع شتّى وإثارتها بطريقة ال lift click تظلل لك بالمؤشر لتؤكد بأن هنالك ثمة أمر يجب التوقف عنده تاركة لك حرية الضغط بالدبل كلك والغور بعيداً في ما تبحث عنه، ولكن لا يفوتها بأن تنتبه للهاث أنفاسك وتهاوي أدمعك وأنت تستعيد شريط حياتك كفيلمٍ سينمائي يعرض في إحدى شاشات السينما العملاقة لتترككَ تستريح قليلاً على رصيف الماضي الجميل، الماضي الذي كان عباس يحتضن سفيان دون خوف و وجل قبل أن يغزو سرطان الطائفية نسيج المجتمع العراقي الواحد ليحقق في تلك الإصابة مآرب من تكالبوا علينا من الأهل والأغراب، ليقررا المحمدان أخيراً أن يختارا لأنفسهما اسماً جديداً يبعد عنهما شبح الإختطاف أو القتل على الهُوية أو كما يظنان، ذلك المرض الخبيث الذي فتك ببغداد وأهلها في سنوات الإقتتال الطائفي والحرب الأهلية المفجعة التي تعرضت لها بغداد بعد الإحتلال الأميركي ولم يجدي لهما نفعاً أسم محمد في الأخير.
أورشينا هي فتاة عراقية حالمة كبنات جيلها أبصرت عينيها الحياة في ذلك الزقاق الذي لا يفرق بين مسلم ومسيحي و إيزيدي، عربي وكردي فعشقت شخوصه وذابت حباً في تفاصيل المكان الذي جمعهم لتقرر اخيراً أن تكتب رواية تؤرخ فيها حياتهم.
تتنقل أورشينا من بيت لآخر محدثة إيّانا عن عراق كان.
كتبت عن صغارنا وكبارنا، ماضينا وحاضرنا، مستقبلنا الذي تنبأت له الكاتبة بترميزها لعام 2028 ومن خلال تلك الإشارة نعي جيداً بإننا سنظل ندور داخل ذات الدائرة التي قذفتنا بها الحروب إذا لم نختر لإنفسنا طريقاً جديداً.
البنية الأساسية لرواية كانت تدور حول تدوين حياة المهمشين اولئك الذين لا يكتبون التاريخ ولا يَكتبُ عنهم أحداً غير الروائيين ولا يعرف عنهم قرّاء التاريخ شيئاً ولكنه لا يمكنه أن يُثبت دونهم ويقاوم سيلان الزمن المنساب بين صفحاته لأنهم عماد الوطن ووقوده.
تعدد اصوات الرواة في أخوة محمد زاد من جمالية السرد وانسيابه كنهر متدفق محمل بشتى الحوارات والجمل وهذا ما عزز من قوة الچذب فيها،فـ بين سفيان وعباس، اورشينا وماريا، ابو فرات وابو زمان، الشيخ محمد وعلياء والأستاذة اخيراً تجلّت براعة ميسلون هادي بما تمتلكه من خبرةٍ هنا بوضوح، عبر تمايز أصوات أبطالها واحداً عن الآخر إلى تلك الدرجة التي أوهمتنا بحقيقة حواراتهم وأحاديثهم.
وفي جانب فني آخر زاد من جمالية الرواية جعلت الكاتبة من روايتها ورشة للكتابة وذلك عبر التعديل والملاحظات التي قدمتها الأستاذة لأورشينا في ختام الفصول.
أخوة محمد هي وثيقة حية لجيل نشأ وترعرع وسط سيل من الحروب والدماء ومن الأسرى والشهداء وكلمات أخرى كانت مجهولة التعريف في معجم مصطلحاته كالخطف والقتل على الهُوية، سني وشيعي، مرتد، ناصبي ورافضي، سطوة العشائر ورجال الدين الذين غدو بمرور الأيام آلهة مقدسة كآلهة معبد آمون، ولكنه استطاع وسط بحر الفوضى هذا أن يكون معظمه جيلاً متوازناً يحب بلاده بعيداً عن الهُويات الفرعية وأحزاب الخراب التي عاثت ببلادنا سوءًا وراح يدوّن أخيراً عمّا يظنه ماضيه ولكنه حقبة حياته كاملة.
أن تشاهد ذكرياتك بكل شفافية و وضوح تسبر أغوارها وأنت مبتسمٌ تارة حزينٌ تكابد آلام حاضرك تارة أخرى هذا ما ستفعله بكَ ميسلون هادي في روايتها هذه.
ميسلون هادي طوال مسيرتها الأدبية الحافلة كتبت عن كل شيء وأي شيء ولكنها أرادت أن تخبرنا أخيراً بأن الدنيا كشاي العروس في أخوة محمد.
تستحق بجدارة لأن تكون ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2019..
أخوة محمد ، ميسلون هادي