كيف تحكم على ثقافة أحدهم؟

كيف يمكنني ان أحكم على قدر ثقافة أحدهم؟

تعريفات الثقافة كثيرة، و لكن أبلغ تعبير في رأيي قد يحتاج تفسير بسيط في البداية. فلدينا في علوم الحاسبات فرقاً بين مصطلحي “البيان” و “المعلومة” ،و الفرق أن “البيان” قد لا تجد له إستخدام حقيقي حالي، و تكتفي فقط بتسجيله، و لكن “المعلومة” هي التي يبنى عليها القرار، و قد تتألف من بيان واحد أو أكثر.

و الأمر في العقل البشري مشابه، فالبيانات التي يستقبلها الإنسان سواء من حواسه الخمس أو من إنطباعاته العاطفية أو من تأثير الأخرين عليه.

كلها مجرد بيانات، و لكن يبقى لك قدرتك على تشكيل المعلومة التي ستبني عليها قرارك من كل تلك البيانات، و هذه المعلومات في النهاية هي الثقافة.
لذا فيمكننا أن نحدث تعريفاً بسيطاً لكل هذا بالقول أن الثقافة هي..

مجموعة البيانات الذهنية القادرة على تشكيل فكرة أو التغيير منها.

فيمكن لكل شخص أن يشاهد نفس التفاحة تسقط (البيان), و لكن واحد فقط يقرر ان يفكر في الجاذبية (الثقافة).


ثقافة الكلمات المتقاطعة

المصطلح هنا للكاتب “أحمد خالد توفيق“، و الفكرة تأت أننا نظن بصاحب أكبر عدد من المعلومات هو الأجدر بحمل لقب مثقف. هذا الذي يعرف المدينة الارجنتينية التي من خمسة أحرف، و طول نهر الغانج.

ولكننا لو تفكرنا قليلاً، هل ساهمت كل تلك المعلومات المختصرة في تشكيل شخصية صاحبها؟، ما فائدة أن تعرف اسم نبي عربي من أربعة حروف و لم تتعلم من سيرة حياته شئ؟!

و لكنني ازيد على الأمر، اولئك حملة الشهادات العليا و القراء و المؤلفين، فتجد هذا صاحب دكتوراة في التاريخ، و حتى اذا ما تولى منصب سياسي أعاد كل اخطاء الماضي بشكل تراجيدي!

و هذا قد قرأ كل روايات دستويفسكي و لم يتحرج لحظة ان يطلق تصريح سياسي ينتصر للشجع على الفقراء. و آخر لا ينفك يغني للحب و الانسانية، و لا يرى حرجاً ان يحرق احدهم عدوه حياً. فيعود بك السؤال. هل هؤلاء مثقفين؟


كلنا صاحب ثقافة ، لكن من المثقف؟!

بحسب تعبير الثقافة، فكلنا صاحب أفكار شكلتها البيانات التي نتلقاها من حولنا، و هذا تراه في اختلاف طبائع الشعوب المختلفة نحو نفس الشئ، لان البيانات المتلقاة مختلفة. و كل هؤلاء “أصحاب ثقافة”. و لكن من يمكن أن نطلق عليه “مثقف” لا “صاحب ثقافة”.

الأمر عائد لطريقة تفكيرك, ففي رأيي أن الانسان المثقف هو الذي لا تنفك أفكاره تتغير و تتجدد كل حين، هذا الذي لا يتحرج أن يطلع على كل النظريات حتى تلك التي للمعارضين له.
و إليك بعض النصائح التي أقدمها لك لمن أراد بنفسه مثقف حق، لا يقبل بالأفكار الجاهزة أو الراكدة دون حراك..

#قالها عباس العقاد في كتاب “لماذا نقرأ”، انني اقرأ لأن حياة واحدة لا تكفيني. و الكتب كذلك تختصر خبرات كثيرة في صفحات، و ليس عليك ان تعاصر شيئاً لتتعلم منه،  فقط اقرأه بتدبر.

#الثقافة ليست حكراً على الأداب و العلوم الانسانية، فقرائتك في الفيزياء بتدبر هي ثقافة، حتى قرائتك لمجلات القصص المصورة هي ثقافة، المهم ان تكون لديك افكاراً جديدة دوماً، و ألا يصبح الامر مجرد ترويح لا تثقيف.

#اخضع افكارك للتشكيك دوما، فالصقل يحتاج كل فترة الى تجديد، حتى افكارك تلك التي تؤمن بها، إخضعها للتشكيك، فإما أن تصل الى أن تؤمن بها اكثر، أو تكتشف انك تضيع معها وقتاً.

#الحياة أكبر كتاب، تدبر كل صغيرة حولك، من تصرفات الأشخاص و انطباعاتهم الى قصصهم في الحياة، لا تتوقف عن التدبر في كل شئ و أن تخضعه  للنظر من اكثر من زاوية.

#لا تستخف بالثقافات المجتمعية، حتى تلك للبسطاء، فهي ربما قديمة و موروثة، لكن من قال ان كل قديم لا يصلح، فلربما التوارث ولد خبرة ما ستحتاج منك سنوات حتى تصلها.

#الثقافة تعني التجدد دائماً، فان ضبطت نفسك تتابع كتباً أو برامج لا تفعل الا أن تؤيد دائماً وجهة نظرك التي كونتها مسبقاً، فأنت اصبحت قديم لا تتجدد. أنا لا أخبرك ان تنسف دائماً افكارك التي استقريت عليها، لكن على الاقل أن تكتسب افكار جديدة توسع من دائرة نظرتك للأمر.

#لا تحرم نفسك من السفر، في البلاد أو الكتب أو عقول البشرأو مواقع الانترنت ، لا تكتف بالمكوث في مكان واحد طويلاً ان أردت نصيحتي.

و في الاخير.. استعاذ الرسول الكريم من قبل من “علم لا ينفع”، فالحديث لم ينكر أنه بحد ذاته “علم”، و لكنه أفاد أنه لم ينفع. و هذا مغذى الثقافة الأول، لا بد أن يكون علم، و الأهم ان ينفع صاحبه.