عجائب رواية “الهوبيت” وجزئها الثاني “سيد الخواتم

جون رونالد تولكين

وُلد “تولكين” يوم 3 يناير عام 1892 في جنوب أفريقيا، وكان أبواه من أصول ألمانية، فقد هاجرت عائلته في بداية القرن الثامن عشر إلى بريطانيا، وحصلوا على الجنسية البريطانية. اضطر والده للسفر إلى جنوب أفريقيا لحصوله على وظيفة هناك، وبعد عدة أعوام، تُوفي والد “تولكين”، ولم تجد الأم مفرًا من العودة إلى بريطانيا. عندما كان طفلًا صغيرًا، لاحظت أمه ذكاءه، واهتمت به، وعلمته اللاتينية. 



ميلاد رواية الهوبيت

أنجبت “إديث” أربعة أطفال، وتعلق بهم والدهم، وحرص على القرب منهم، فكان يمتعهم بموهبته الأدبية، فيروي لهم قصصًا وحكايات، وفي ليلة من الليالي، فكر في حكاية يرويها لهم قبل النوم، فما لبثت أن تحولت تلك الحكاية التي يقصها الأب على أبنائه إلى واحد من أعظم الأعمال في أدب الفانتازيا، وكانت هذه القصة هي رواية  “الهوبيت” الشهيرة، التي تعلق بها الأطفال والكبار، شكلت رواية “الهوبيت” تحديًا كبيرًا للكاتب، فهذه المرة الأولى التي يكتب فيها للأطفال، ويأخذ الناس إلى عالمه الذي عاش فيه طويلًا، ويفصح لهم عن تفاصيله المبهرة.


بداية “سيد الخواتم”.. مهمة شاقة 

حازت رواية “الهوبيت” على إعجاب الناس، وحققت مبيعات عالية، مما شجع الناشر على أن يطلب من “تولكين” تأليف جزء آخر للرواية، ولكنه رفض في بداية الأمر، ومع مزيد من الإلحاح وافق، فأخذ يقرأ في الرواية حتى وصل إلى الجزء الرابع الذي حصل فيه “بيلبو” -بطل الرواية- على الخاتم، وهنا بدأ الكاتب المبدع يخط القلم في سلسلته الشهيرة “سيد الخواتم“. 

وكانت مهمته مع “سيد الخواتم” أصعب بكثير من “الهوبيت”، فقد اضطر لشرح تاريخ الأرض الوسطى وما يحيط بها، حتى يوضح للقارئ التفاصيل الدقيقة. في البداية كتب الفصول الأولى عدة مرات، وما إن ينتهي ويقرأها، يجدها لا تروق له، فيُعيد الكتابة من جديد، فكتب الفصل الأول أربع مرات، باءت جميعها بالفشل، حتى المرة الخامسة، التي استقر فيها على تسلسل الأحداث، وأكمل عليها، لكنه كان يُجري التعديلات والمراجعة باستمرار، وكان يستعين بابنه “كريستوفر” الذي كان يتمتع بقدرة كبيرة على ملاحظة التفاصيل الدقيقة، فكان يساعد والده في تعديل وتنقيح التفاصيل الدقيقة أولًا بأول، وأثناء فترة الإعادة والتنقيب يقول كريستوفر: 

“كان أبي يبحث عن شيء ما في هذه المرحلة، شيء لا يعرفه، لذا ستجده كان يكتب كل فصل بأسماء مختلفة، التفاصيل مختلفة، كأنه يجرب شيئًا ما كل مرة، وكلما عثر على ما هو أفضل، كان يعيد كتابة كل ما سبق من جديد”.

وأثناء كتابة السلسلة، كان “تولكين” يلقي آخر ما كتبه على مسمع صديقه “لويس” الذي كان يشجعه ويدعمه، ويقدم ملاحظاته إليه، ويحفزه كي يستمر في هذا العمل الرائع. وفي هذه الأثناء، كان “تولكين” تائه في عالمه، فهو لم يضع تصورًا كاملًا للرواية قبل البدء فيها، فكان لا يعلم إلى أين سيمضي، حتى أنه كان يدخل بعض الشخصيات على قصته، ولم يحدد أدوارهم في القصة فيما بعد، حتى أرسل رسالة إلى صديقه “لويس” يقول له فيها: 

“وصلت إلى النقطة التي سيترك فيها “فرودو” ورفاقه “شاير”. أعرف أنه ذاهب للقاء “جاندلف”، لكنني أعرف أنَّ “جاندلف” سيتخلف عن هذا اللقاء لسبب ما. أعرف أيضًا أنهم سيلتقون شخصًا اسمه “سترايدر” لكنه ليس اسمه الحقيقي، بل إن له دورًا في القصة لا أعرفه حتى الآن”.

وفي هذه الأثناء، ازداد عمق الرواية، حتى شكَّ “تولكين” أنها لا تناسب الأطفال، فأرسل إلى صديقه الناشر “آلن” ما كتبه، لكي يقرأها ابنه الطفل، ويعطي رأيه في تسلسل الرواية حتى الآن، فجاءه الجواب بأن يُكمل هذا العمل الشيق، وبعد عشر سنوات من الكتابة والمراجعة والتدقيق والتنقيح والتعديل، أكمل “تولكين” روايته، التي ازدادت صفحاتها عن الألف صفحة، تحت اسم “سيد الخواتم”، وذهب إلى “آلن” الناشر، الذي صُدم بهذه الضخامة، فرفض النشر، لأن أسعار الورق قد ارتفعت، وهذا الكم من الصفحات سيكلفه الكثير من المال، وسيخسر خسارة كبيرة إذا لم تنجح الرواية، فعاد “تولكين” إلى بيته، في حالة من الإحباط الشديد، فدعمته زوجته، وطلبت منه أن يحاول مرة أخرى، فذهب مرة أخرى إلى الناشر، الذي أوضح له أمر ارتفاع الأسعار وأنَّ نشره للرواية سيكون مجاذفة كبيرة جدًّا، فعرض عليه أن يُقسم الرواية إلى ثلاثة أجزاء.

وافق “تولكين” على عرض الناشر آنفًا، واتفقوا على نشر الأجزاء الثلاثة على فترات متباعدة، وهنا كان ينبغي أن يُوضع لكل كتاب اسمًا، فاقترح “آلن” أن يأخذ الجزء الثاني اسم “البرجان” بينما وضع “تولكين” اسم الجزء الأول “رفقة الخواتم” وأشار “آلن” بأن يكون اسم الجزء الثالث “عودة الملك” وهنا اعترض “تولكين” لأن هذا الاسم سيُفصح عن أهم حدث في الجزء الثالث، لكن “آلن” أقنعه بأنَّ روايته قيّمة، لدرجة أنَّ من يسمع قصتها كاملة، سيتشوق لقراءتها، رغم معرفته بأحداثها، فالرواية قوية بدرجة كبيرة.

ونُشر الجزء الأول “رفقة الخواتم” عام 1954، وما إن نُشر حتى أثار ضجة كبيرة، وحقق أرقام مبيعات غير مسبوقة، مما شجعهم على نشر الجزأين الآخرين في عام 1955، وتهافت الناس لاقتناء نسختهم من الكتاب، وتسابق الرسامون لتقديم لوحات تمثل الكتابات بالسلسلة، وأشهر من تقدم لذلك ملكة الدنمارك “مارجريت الثانية”. 


انعكاس حياته الشخصية على كتاباته

عندما كان في سن الثالثة من عمره، لدغه عنكبوت سام، كاد أن يودي بحياته، إلا أنَّ طبيبًا ماهرًا أنقذه، واستوحى “تولكين” من هذا الطبيب شخصية “جاندالف” الساحر الطيب، الذي ستجده في أكثر من عمل له، كما عبر عن خوفه من العناكب في الرواية عندما واجه “فرودو” عنكبوتًا في الجزء الثالث من سلسلة “سيد الخواتم”، وعندما كان طفلًا صغيرًا غرست فيه أمه حب النباتات والطبيعة الخضراء، وظهر ذلك واضحًا في كتاباته، المتأثرة بالطبيعة الخضراء.


رحيل “تولكين” عن عالمنا

ازدادت شهرة “تولكين” ولكنه كان يُفضل الحياة الهادئة، وظل منغمسًا في أعماله الأخرى، حتى ماتت زوجته في عام 1971، وحزن عليها بشدة، ولحقها في 2 ديسمبر عام 1979. رحل “تولكين” عن عالمنا، ولكن أثره ما زال موجودًا، متربعًا على عرش أدب الفانتازيا، فأثر في كُتَّاب أدب الفانتازيا، الذين خرجوا من بعده، وخاضوا في عالم الخيال، المليء بالسحر والأقزام، معلنين وفائهم وامتنانهم لأستاذهم “جون رونالد تولكين”، الذي نال لقب “أبي الفانتازيا”، عن جدارة


بعد وفاة “تولكين”، عمل على جمع المسودات والقصاصات التي كان يكتبها والده، فنشر عدة أعمال لأبيه، وأهمها رواية “سليماريليون” عام 1977، ومن بعدها موسوعة “تاريخ الأرض الوسطى”، والتي تتكون من 12 جزءًا، وتضم هذه الموسوعة الأساطير القديمة التي ألفها والده، وأكمل “كريستوفر” عمل والده في رواية “أبناء هورين” التي بدأها والده في عام 1910، وأمضى “كريستوفر” معظم حياته في الإشراف على تحرير وإعادة نشر مسودات والده التي لم تنته قبل وفاة “تولكين”، وتوفي في 16 يناير عام 2020، عن عمر يناهز 95 عامًا، بعد أن كرس حياته كلها، لتحرير وإخراج أعمال أبيه الغير مكتملة إلى العالم.


رواية “الهوبيت”

لم يتعلق بها الأطفال فقط، بل كانت مَحط اهتمام الكبار أيضًا، وهي رواية تأخذنا إلى عالمٍ مختلف عن عالمنا، يعيش فيه كائنات مبهجة، أسماها تولكين “الهوبيت”، وهي فصيلة مسالمة، كريمة، طيبة الطباع، قصار القامة، ولكنهم ليسوا أقزام، أقدامهم كبيرة، يحبون الطعام، كسولون بعض الشيء، ولكنهم بالنهاية أناس محترمون، اتخذهم الأطفال كأصدقاء لهم، وبطل قصتنا، هو واحد من هؤلاء الهوبيتيين يُدعى “بيلبو باغينز“، وهو هوبيت محترم، مسالم للغاية، لا يشغله شيء في الحياة سوى تأمين طعامه، فهو يشتهي الطعام بشدة، لكن كُتب عليه أن يخوض مغامرة غير مرغوبة بالنسبة له، إلا أنه سرعان ما أدرك أنَّ هذه المغامرة، قد أضافت له تجربة مؤثرة في حياته. 

تبدأ المغامرة بقدوم الساحر “جاندالف” إلى منزل “بيلبو”، ليخبره بأنه سيخوض مغامرة، لكن “بيلبو” لا يأخذ كلامه على محمل الجد، لكنه يُفاجأ في اليوم التالي بقدوم “جاندالف” مع 13 قزمًا، حتى يتفقوا على تفاصيل خطة استعادة كنوز أجدادهم، الذي سلبهم إياه تنين قبل مائة عام، بمساعدة “بيلبو” وهو لا يزال في حالة صدمة مما يحدث أمامه، ولكنه استسلم في نهاية الأمر، ذهب معهم رغمًا عن أنفه.

وأثناء طريقهم إلى الجبل، تحدث بعض المغامرات الشيقة، وخلال إحدى هذه المغامرات، ينفصل عنهم “بيلبو” ويتوه داخل الأنفاق المظلمة، وهناك يعثر على خاتم -هذا الخاتم كان مفتاح “تولكين” لسلسلة سيد الخواتم كما ذكرنا- ويستطيع التخفي من خلال ذلك الخاتم، ويحمي نفسه، ويلتقي بأصدقائه الأقزام من جديد، ويخوضون بعض المغامرات الشيقة، حتى تمكنوا من الوصول إلى الكنز المنهوب، وفي نهاية المغامرة، أعطوا “بيلبو” حصته. عاد بعدها “بيلبو” إلى بلدته الآمنة من جديد، فيُفَاجَأ المسكين بأنَّ مقتنياته قد بيعت، من قِبل أقاربه، فقد ظنوا أنه تُوفي، إلا أنه يستطيع استرداد جميع مقتنياته باستخدام ثروته الكبيرة، ويعيش في منزله بسلام من جديد، بعد مروره بمغامرة، غيرت نظرته للكثير من الأشياء.