ثراء الأثرياء وفقر الفقراء !!

هل تراودك تساؤلات مُحيرة مثل ما السبب وراء ثراء الأثرياء وفقر الفقراء؟ وما هو سر فقر الدول الفقيرة؟ كيف يحافظ الأثرياء على بقائهم في القمة؟ ولماذا كل السيارت المستعملة لا تصلح للشراء؟ وما السبب وراء وجود مقهى ستاربكس عند ناصية كل شارع؟

وكيف يمكن تجنب الوقوع ضحية للخداع في المزادات؟ ولماذا الازدحام المروري عبر المدن؟ وكيف أصبحت الصين غنية؟ ما هو سرّ فقر الدول الفقيرة؟ ومع كل سؤال من هذه الأسئلة تواجهك حيرة، تزيد رغبتك في معرفة إجابات شافية لها دون تعقيدات كتب الاقتصاد.

ومن هذا المُنطلق صال وجال الاقتصادي البارز (Tim Harford – تيم هارفورد)، -وهو صحفي إنجليزي، متخصص فى تبسيط الأمور الاقتصادية، وسبق له العمل بالبنك الدولي، كما عمل من قبل مدرساً بجامعة أكسفورد، وفي شركة شل الشهيرة للبترول- في كل من أنحاء أفريقيا وآسيا وأوروبا؛ ليعود أدراجه، مُسلطاً الضوء على الكيفية التى يعمل بها الاقتصاد فى كل مناحي حياتنا دون أن ندرى او نشعر.

مقدماً تفسيرات وإجابات بسيطة يدونها فى عمود ثابت له في جريدة الفاينانشال تايمز بعنوان (عزيزي الاقتصادي)، يناقش فيه أحدث النظريات الاقتصادية، ومجيباً عن أسئلة القراء بشأنها، كما قام بتأليف كتابه الرائع (The Undercover Economist – المُخبر الاقتصادي)، والذي بيعت منه ملايين النسخ، وحقق نجاحاً كبيراً، وشهرة عالمية واسعة النطاق، وفى السطور القادمة سوف نلقى الضوء على أهم أفكار هذه الكتاب الساحر الآخاذ.

كتاب (المُخبر الاقتصادي) الذي يتميز بالذكاء والبساطة معاً، مكتوب بحرفية عالية، ومُصاغ بمهارة ليسُحر من يقرؤة، يعرض الحقيقة الخفية وراء عمل الاقتصاد فى حياتنا، ويقدم الاقتصاد بطريقة جذابة ومثيرة، فيشرح لنا بدقة وبساطة باستخدام أمثلة واقعية، ودون الاعتماد على الجداول والرسومات البيانية، أو المصطلحات الاقتصادية المُتخصصة المُعقدة.

والكتاب مٌقسم الى عشرة فصول شيقة جدًا، كل فصل يحكي قصة شيقة بأسلوب مرح ومُبسط، توضح تفاصيلها نقاط اقتصادية نواجهها فى حياتنا العادية اليومية بدون أن نشعر، وعنوان هذه الفصول جاءت كالتالي:

·      من يدفع ثمن قهوتك؟.

·      ما لا تريد منك المتاجر الكبيرة أن تعرفه.

·      الأسواق المثالية وعالم الصدق.

·      الزحام المروري عبر المُدن.

·      القصة الخفية.

·      الجنون العقلاني.

·      رجال عرفوا قيمة العدم.

·      سر فقر الدول الفقيرة.

·      جعة، وبطاطس مقلية، وعولمة.

·      كيف أصبحت الصين غنية؟.

حيث يسلط الكتاب عبر فصوله العشرة هذه الضوء على القصة الخفية وراء هذه الأسئلة وغيرها مما يمس الحياة اليومية للمواطن العادي، خاصة أن الأمثلة التي يستعرضها المؤلف تمتد ما بين جميع قارات العالم وبلدانه.

كما يفسر الباعث وراء ضخامة الهوة بين الأمم الغنية والأخرى الفقيرة، والكيفية التي تفرغ بها كل من متاجر السوبر ماركت، وشركات الطيران، وسلاسل المقاهي النقود من جيوبنا، ويجيب عن تساؤلات من نوعية من يدفع ثمن قهوتك، ولماذا كل السيارت المستعملة لا تصلح للشراء، أو عن كيفية منافسة سلسلة مقاهي عملاقة مثل مقاهي ستاربكس، وغيرها الكثير من القضايا.

فيهدف هذا الكتاب إلى تطبيق أسس النظريات الاقتصادية على ظواهر حديثة، مثل نظام تسعير شركة ستاربكس، وقيم أسهم شركة مايكروسوفت..إلخ، ويقدم شرح وإيضاح للمفاهيم الاقتصادية الأساسية والبدائية للغاية، والتي تشمل الموارد النادرة، وقوة السوق، والفعالية، والابتزاز السعري، وانهيار الأسواق، والمعلومات الداخلية، ونظرية الألعاب، والتسعير من خلال منحنى الطلب.

وإليك بعض القضايا التى ناقشها (تيم هارفورد) بأسلوبه الساحر فى كتابه (المخبر الاقتصادي)؛ ليخبرنا عن الكيفية التي يرى فيها خبراء الاقتصاد العالم:

من يدفع ثمن قهوتك؟

فعلى سبيل المثال قد تظنّ أنك تستمتع بفنجان الكابوتشينو المغطى بالرغوة، ولكنّ خبير الاقتصاد يراك أنت والكابوتشينو كلاعبين في لعبة دقيقة ومعقدة ذات إشارات ومفاوضات وصراعات، يغلب عليها القوة ومعارك تعتمد على الدهاء لا العنف.

ويحصل الفائزون في هذه اللعبة على جوائز ضخمة، فبعض من شاركوا في الجهد كي تحصل على كوب القهوة الذي تحتسيه الآن، يحصلون على كثير من الأموال، في حين يحصل بعضهم على أموال قليلة، أما البعض الآخر فيتطلع إلى الحصول على المال الذي تحمله في جيبك الآن.

إذا فتحت ستاربكس مقهى بالقرب من مقهى ستاربكس آخر، فهل يمكن أن يكون ذلك حقًا بشأن بيع مزيد من القهوة، أم بشأن خلق مساحات متاجر تجزئة مليئة بالقهوة بحيث لا يمكن أن ينجو أي مقهى منافس؟

من الناحية النظرية، لا يوجد فرق يُذكر بين وجود محال قريبة من بعضها البعض فعليًا ووجود منتجات تختلف فقط بطرق خفية.

قد يكون السبب في الرغبة القوية في المنتجات أو المحال هو أن ما تُقدّمه من عروض مماثلة يعكس الاختلافات التي تهم المستهلكين.

ربما يكون الأمر كذلك في وسط مانهاتن، حيث يوجد عدد قليل من الناس فقط لديه استعداد للمشي مسافة أطول للحصول على القهوة، لذلك إذا أراد مقهى ستاربكس الحصول على زبائن فهو يحتاج ليكون في كل زاوية.

لكن هناك تفسير بديل، وهو أن الشركات الكبيرة تتعمد فتح كثير من المتاجر، أو إطلاق عديد من المنتجات، لأنها ترغب في استباق الشركات المنافسة، بإمكان الشركات دائمًا تخفيض الأسعار لإبقاء المنافسة بعيدة، لكن هذا قد لا يكون بالفاعلية نفسها – أي شركة منافسة يمكن أن تتوقع بشكل معقول أن أي حرب أسعار ستكون مؤقتة-.

وهذا أقل سهولة من إلغاء إطلاق أي منتج جديد أو اغلاق أحد المحال الجديدة.

إذن، السوق المُشبّعة من المرجح أن تبقى مُشبّعة لفترة من الوقت، وينبغي أن تجعل الانتشار عائقًا ذو صدقية وفاعلية أكثر من الأسعار المنخفضة.

ويفند (هارفورد) الخرافات المرتبطة ببعض أكبر المعضلات اليوم، كالتكلفة العالية للعلاج، كما يكشف أسباب ترحيب بعض مالكي المنازل ومؤجريها ببعض قوانين البيئة، وكيف يمكن أن تكون أرباح بعض المؤسسات نتاج جهد حقيقي، بينما تكون غيرها محل شك.

سر فقر الدول الفقيرة

ومن الموضوعات المثيرة التي طرحها (هارفورد) في كتابه ما هو سرّ فقر الدول الفقيرة؟ فمن سبب فقر هذه الدول تستطيع أن تعرف لماذا تقوم الثورات والاحتجاجات في كثير من بلدان العالم الآن، ولماذا يجب أن يتــمّ تغييــــر أنظمة هـــذه الدول من أنظمة ديكتاتورية إلى أنظمة ديمقراطية؟ ويسلط الضوء على حقيقة تحكم تلك الأنظمة السياسية في حياتنا اليومية، على غفلة منا في أغلب الأحيان.

ورغم أن الكتاب يخاطب نظريات السوق الحرة الاقتصادية، إلا أنه لا يمكن القول أن هارفورد من المدافعين عن الرأسمالية، فهو يوضح كيف تمكنت شركات من أمثال أمازون دوت كوم وهول فودز وستاربكس من التأثير على المستهلك من خلال أساليب التسعير المختلفة.

كيف أصبحت الصين غنية؟

من ناحية أخرى يتعاطف المؤلف مع المصانع الصينية التي تستخدم الصغار والصبية، وتتخذ من أسفل السلالم مقار لها، وهو يعترف بوجود حالات وأحوال غير مرضية فيها، لكنه من ناحية أخرى يرى أن تلك المصانع أفضل بكثير من الماضي.

وتعتبر خطوة كبيرة للأمام نحو الطريق الصحيح، وربما يكون هارفورد على حق.

لكنه لا يناقش ما إذا كانت الثورة الصناعية حسب الأسلوب الشيوعي أو الرأسمالي هما الخياران المتاحان أمامنا فقط في اقتصادنا الحديث.

أما فيما عدا ذلك فإن الكتاب قيم جداً، ولا يضاهى في القدرة على إيضاح كيف تؤثر قوى اقتصاديات السوق على الحياة اليومية للقارئ، فهو دليل إلى علم الاقتصاد، بالإضافة إلى كونه موضحاً للمبادئ الاقتصادية المحركة للأحداث اليومية، شارحاً كل شيء بدءًا من الارتباكات المرورية، وحتى أسعار البن المرتفعة..

كما وظف نظرية الريع عند (ريكاردوا) لتفسير كيف يتم تحديد إيجار الأراضي بطريقة جذابة وبسيطـة، فيشرح المؤلف في هذا الصدد أسعار الإيجارات العالية في لندن، موضحاً أن الامر يتعلق بالزراعة أكثر بكثير مما نظن أو نتخيل.

يمكن أن نقول عن هذا الكتاب أنه يرينا العالم من خلال عيون اقتصادي، يوضح لنا أن الاحداث اليومية تكون نتاج مجموعة متشابكة من المفاوضات وصراعات القوة والسلطة.

ويضيف إلى ذلك أن أسلوب الكاتب يتميز بلمسة سخرية وفكاهة منعشة، وكثير من المكر والدهاء في ربط وتحليل الأسباب والنتائج، فعندما تقرأ هذا الكتاب ستدرك مدى حرص الرجل على ربط مفاهيم علم الاقتصاد بالواقع.

لتحميل الكتاب : المخبر الإقتصادي