7 أسباب تدفعك إلى قراءة كتاب رجال ريا وسكينة

يُصنَّف كتاب رجال ريا وسكينة – The Men of Raya and Sakina للكاتب الصحفي صلاح عيسى على أنه من نوعية السيرة الذاتية، ولكن في الواقع فهو أكثر عُمقًا بكثير من رصد حكاية أشهر سفاحتين في جمهورية مصر العربية على مدار تاريخها كله وليس فقط في القرن العشرين، أبطال ملف القضية 43 قسم اللبان الشهيرة.
رصد شديد الواقعية والبساطة لتاريخ مصر فترة إلقاء القبض على ريا وسكينة

ففي تسلسل سلس للغاية ستتعرف على تاريخ ما قبل ثورة 1919 من وجهة نظر الشعب وليس فقط النخبة والمثقفين أو المشاركين في الثورة، فيؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنه في حين كانت النخبة مشغولة بالبحث عن الحرية من المحتل الإنجليزي وصراعاتها مع الملك وأهوائه كان الحال مختلفًا تمامًا في طبقات الشعب الفقيرة والكادحة والتي لم تجد حتى ما يسد جوعها إلا بيع الأجساد والعمل في البغاء سواء الرسمي أو السري، فانتشرت البيوت التي تستقبل طالبي اللذة الحرام حتى بين مساكن الأحرار أو الشرفاء.

وهذا للأسف الحال في الكثير من الأحيان بين النخبة وجموع الشعب، ففي الكثير من القضايا التي تُثار بدءًا بالحقوق السياسية حتى حقوق المرأة والأطفال نجد الاهتمام يكون منصبًا على قضايا تشغل مجموعة قليلة من الشعب مثل الصراع على رئاسة الجمهورية أو حق المرأة في ارتداء ما يحلو لها، دون التعمق في الأمور التي تهم معظم الشعب فعلًا مثل الحق في التعليم والإصرار عليه أو العلاج أو حق المرأة في الميراث والعمل والنفقة العادلة للأطفال وغيرها من أساسيات يفتقر إليها الكثيرون ولكن يتم الحديث عنها بشكل عابر، لذا لا يتعاطف الجميع مع أي قضايا تطرحها النخبة ويكون مصيرها غالبًا الفشل.

مقارنة موضوعية بين التعامل مع ريا وسكينة وغيرهما من مجرمين مثل أدهم الشرقاوي

فنجد صلاح عيسى في كتابه رجال ريا وسكينة يقارن بين التعامل شديد القسوة مع هاتين القاتلتين وإسباغ كل صفات الشر والجبروت عليهما، وإلصاق الكثير من التهم لهما مثل تقطيع الضحايا وحرقها وهو ما لم يحدث، في حين تم التعامل مع مجرمين آخرين بطريقة مختلفة مثل أدهم الشرقاوي.

فأدهم الشرقاوي كان قاتلًا أيضًا بل كان يقبض ثمن من يقتله، ولكن الخيال الشعبي صنع منه بطلًا مغوارًا وتم تأليف الكثير من المسلسلات والأفلام عن شجاعته في حين أنه قتل من المصريين أكثر من الإنجليز.

ويبدأ الكاتب صلاح عيسى ضمن صفحات كتاب رجال ريا وسكينة في محاولة رصد أسباب هذه التفرقة من أن أدهم الشرقاوي تلقى التعليم الابتدائي في وقت كان يتم نشر أسماء الأصليين عليها في الجريدة الرسمية في حين ارتبط اسم ريا وسكينة بالبغاء والقتل، بالإضافة إلى الفقر.

ولكن في الحقيقة أختلف مع الراحل العظيم في هذه النقطة تحديدًا، فباستثناء فيلم ريا وسكينة بطولة نجمة إبراهيم وزوزو حمدي الحكيم وأنور وجدي وفريد شوقي والذي صوّرهما في أبشع الأشكال، إلا أن الكثير من الأعمال الدرامية بعد ذلك أظهرت الجانب الإنساني منهما وظهرتا في بعضها بشكل كوميدي أيضًا، بل أن البعض أسبغ عليهما صفات البطولة وبدأ يؤكد أنهما كانا يقتلان عساكر الإنجليز وليس النساء.

ولكن لأن الجرائم التي ارتكبتاها من البشاعة التي لا يمكن نسيانها والتي أثرت في الوجدان الشعبي بشدة بعد مقتل 17 امرأة وسرقتها ودفنها، فإن هذا التاريخ بالتأكيد لم تفلح معه محاولات المعالجة الإنسانية للقصة وظلا رمزًا للشر الخالص.

معرفة دور شيخ العرب همّام في جرائم ريا وسكينة

لم يقتصر صلاح عيسى في كتابه على رجال ريا وسكينة المعاصرين لهما وهم حسب الله زوج ريا وعبد العال زوج سكينة وشقيقهما أبو العلا الذي كان على علم بما تمارسانه من بغاء وإدارة بيوت الرذيلة ورغم ذلك لم يحرك ساكنًا، فلم يقتصر الكاتب على هؤلاء بل تتبع جذورهما حتى وصل إلى شيخ العرب همام.

وهو أمير قبيلة الهوارة وقائد الثورة التي أدت لاستقلال أسيوط وسوهاج وقنا وأسوان والمنيا عن الحكومة التركية المملوكية وأنشأ نظامًا غاية في التطور، إلا أنه لم يستمر سوى لأربع سنوات وتم دحض الدولة على يد علي بك الكبير الذي شجعها في البداية.

فيقول صلاح عيسى إن محاولات طرد فلول الهوارة جعلتهم يتفرقون في الأرض مشتتين يتمتعون بعزة وكرامة وإباء وفي الوقت نفسه لا يجدون قوت يومهم بعد طردهم وقتل زعمائهم، وهذا مما أثر على وجدانهم وأفرزوا نساء مثل ريا وسكينة متمردات على التقاليد الصعيدية والمصرية نظرًا للطبيعة البدوية التي اندرجوا منها.

فيروي صلاح عيسى في كتاب رجال ريا وسكينة كيف تعددت علاقات سكينة بالرجال حتى وهي متزوجة من أحمد رجب الذي هربت من أسرتها لتتزوجه وتعيش معه.

رصد دور الظروف المعيشية التي مرت بريا وسكينة ودفعتهما إلى ارتكاب الجرائم الوحشية

في الحقيقة نجد في بعض المواضع تعاطفًا واضحًا من صلاح عيسى تجاه ريا وسكينة ورجالهما، وأن الظروف التي مروا بها من العمل بالسُخرة في قناة السويس إلى الحرب العالمية الأولى التي جعلت الشعب في الحضيض وأدت إلى غلاء فاحش في أسعار السلع والخدمات وغيرها، هي ما أدت لاتجاههم للجريمة مثل غيرهم، فكل هذه الظروف التي كانت تتجه من سيئ إلى أسوأ دفعت الكثيرين لامتهان السرقة وكان هذا حال حسب الله وعبد العال وبعد أن أصبحوا من أصحاب السوابق ومع إدمانهم للحشيش والخمر أصبح الاتجاه للقتل أمرًا عاديًا.

ولكن من ناحية أخرى يؤكد صلاح عيسى أن الفقر المدقع ليس فقط هو المؤدي للجريمة، لأنه كانت هناك بيوت أخرى وأسر تعاني من الفاقة ورغم ذلك لم تتجه لا للبغاء ولا للسرقة وبالطبع ليس للقتل، وهنا يعود من جديد إلى تاريخ ريا وسكينة وتأثير طابعهما البدوي والجرأة التي كانتا تتمتعان بها في استمراء إزهاق ليس نفسًا واحدة ولكن 17 امرأة.

سبب محاولات البعض إسباغ دور البطولة على ريا وسكينة

في الحقيقة كانت هناك محاولات مضحكة من قبل البعض للتأكيد على أن ريا وسكينة تعرضتا للظلم وتشويه السيرة وأنهما كانتا تحاربان الإنجليز، وفي الحقيقة فقد كانت هناك مواجهة بالفعل بين سكينة تحديدًا والبوليس الإنجليزي ولكن نتيجة سرقة “لحم الإنجليز”.

فيروي صلاح عيسى الواقعة بأن سكينة كانت تسرق اللحم الفاسد من ثلاجات الإنجليز وتعرضه إلى أنواع من المعالجات والغليان حتى تزول منه رائحة العفونة وتبيعه بأسعار بخسة للمصريين الفقراء والذين لم يمانعون من تناول لحم فاسد طالما يستطيعون شراؤه.

وسقطت سكينة في يد الشرطة وتم الإفراج عنها بعد أسبوعين، وهي الواقعة الوحيدة تقريبًا بين سكينة والبوليس الإنجليزي لذا لا يمكن وصف الموقف بالبطولة على الإطلاق، وأي محاولات لتجميل هذا الماضي القاسٍ لن تنجح.

معرفة دور الصحافة في تزييف وتوجيه الأحداث

يضع صلاح عيسى في كتاب رجال ريا وسكينة الكثير من اللوم على الصحافة في معالجتها لقضية ريا وسكينة، فيقول إنه رغم عدم تقصير الصحف في نشر أي شيء عن السفاحتين والمحيطين بهما لإشباع فضول القارئ إلا أن جريدة واحدة لم تهتم بنشر الدوافع أو الخلفيات التي وراء هذا النهج الذي اتبعته المرأتان ذواتا الأصول الصعيدية البدوية.

فقد تعاملت الصحف بنوع من العار والرفض المطلق لهذه الجريمة واعتبارها حالة نشاز صارخة لا تُعبّر عن المجتمع وهذا خشية أن يتخذها المحتل الأجنبي ذريعة للتأكيد على تدني الطبقة الاجتماعية المصرية وعدم قدرتها على حُكم نفسها، فأطلقت الكثير من الشائعات على الواقعة وكأنها بذاتها وتفاصيلها لم تكن كافية لتكون بشعة، ولكن هذه التلفيقات جعلتهما أقرب إلى دراكولا وفرانكنشتين وأمنا الغولة وغيرها من رموز خيالية للشر في محاولة لإبعادها عن الواقع الحقيقي.

وفي الحقيقة فإن دور الصحافة في هذا الأمر لا يختلف إطلاقًا عن دورها في الكثير من القضايا الشائكة وتزييف الحقائق والمعلومات أو إخفاء بعضها وإبراز آخر لنقل صورة مشوَّهة عن الأحداث والتي لا نتعرف على حقيقتها إلا بعد سنوات عدة أو لا نعرفها على الإطلاق.

ففعليًا أثبت الشرطة تقصيرًا واضحًا في هذه القضية وفقًا لأقوال صلاح عيسى، فبعد اختفاء أول حالة تم الإبلاغ عنها، إلا أن الشرطة لم تهتم لأن المختفية كانت من ممارسات البغاء، وكذلك الثانية والثالثة واللاتي ارتبط اسمهن بوضوح بكل من ريا وسكينة، إلا أن المهنة التي مارستها الضحايا الأولى وأنهن من طبقة فقيرة لم يجعل الأمر مهمًا في نظر الشرطة إلا بعد أن تعددت حالات الاختفاء وانتشر الذعر في ربوع الإسكندرية.

كتاب رجال ريا وسكينة رواية تاريخية مثيرة مبنية على أحداث حقيقية

لا يمكن إغفال جانب المتعة في قراءة كتاب رجال ريا وسكينة للكاتب صلاح عيسى، فرغم أن المادة التي يعتمد عليها هي أوراق التحقيقات والقضايا التي رُفعت على القاتلتين والرجال المصاحبين لهما واعترافات المتورطين في الأمر، إلا أن السرد شديد الأناقة والعذوبة لدرجة لن تقتنع أبدًا أن الكتاب من تأليف صحفي وليس روائيًا يعرف بالضبط كيف يجذب القارئ ويجعله متعلقًا بالأحداث.

فينتقل بأناقة شديدة بين تضحية سكينة وإنفاقها على أولاد شقيقتها ريا عند سجنها ثم انقلابهما على بعضهما البعض نتيجة الخلافات مع حسب الله ثم عودة المياه إلى مجاريها من جديد، وقصة أول ضحية قتل وكيف كانت من الصديقات المقربات التي شاركتهن في ممارسة البغاء و”سحب” الفتيات ولكن المخدرات والخمور والخلافات أدت لتسلسل خطير في الأحداث لم يوقفه في النهاية إلا الانتشار الكبير للذعر وصدفة قادت أحد رجال الشرطة للتشكك في رائحة البخور القوية.

ففي الحقيقة، كتاب رجال ريا وسكينة للكاتب صلاح عيسى مزيج رائع بين الرعب والإثارة والطابع الإنساني والتاريخ والحيرة التي يقع فيها الجميع عندما يتعرضون لانهيارات في حياتهم، وكيف تكون قراراتهم وقتها لدرجة التضحية بأشد الأشخاص قربًا وارتكاب أفظع الجرائم.