القصة القصيرة والرواية

كانت سنة 2019 سنةً مليئة بالإصدارات العربيَّة، وخاصَّةً في مجال القصة القصيرة والرواية، حيث دأبت دور النشر العربيَّة على نشر مجموعات قصصيَّة وروايات عديدة، سنتعرّف من خلال هذا المقال المختصر إلى أهمها، لكي يتسنّى للقرَّاء تكوين فكرةٍ بسيطةٍ عنها.

الروايات

نبيل الملحم – إنجيل زهرة

صدرت إنجيل زهرة عن دار رياض الريس للنشر في بيروت، ويعتبر هذا العمل هو السابع في رصيد الملحم. نقرأ في هذا العمل العزلة وهي جليَّة وصارخة، ولا يختلف هذا العمل عن بقية أعمال الملحم، سوى أنّه يتفوّق على كل ما كتبه في السابق، للدرجة العالية من التأمل الموجودة داخل طيَّات هذا العمل.

كتب الملحم عن روايته عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك:

لخلاصنا بوابات فقيرة وقليلة ونصف مفتوحة ومن بينها بوابة أن تُروى، وأنا رجل يخاف أن يغادر مقعد الراوي، لا لأن الرواية فعل شاهق، بل لأنها الفسحة الرائعة للعبة أن تكون الخالق، فالخالق الذي افترضت البشرية أنه (الله)، هو أيضاً يروينا، لسنا وحدنا من يرويهم، هو كذلك يروي ديدان الأرض، وأحياء البحار والعجائز التائهين والصبية السفهاء، وكذلك الأفلاك التي لم نختبرها، وفوق هذا وذاك ينجو بفعلته من سوء الفهم بعد أن يمسك بأصابع مخلوقاته من أعناقها.

طارق إمام – طعم النوم

صدرت رواية طعم النوم عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، ولاقت استحساناً من النقَّاد والقرَّاء على حَدٍّ سَواء، وبلا شكّ فإن عوالم المصري طارق إمام مختلفة إلى حدِّ الغرابة، والسبب يعود إلى تقنياته السرديَّة التي تغبُّ من الماضي ومن الحكايات والأساطير، شيءٌ يشبه إلى حَدٍّ ما إعادة توليف الحاضر بناءً على الماضي المعروف، وها هو يفعل ذلك في طعم النوم، حيثُ حكاياتٌ تتوالد من أخرى وهكذا دواليك.

نصطدم بالساردة النائمة! التي تحكي حكايتها وهي نائمة:

أكتبُ قصتي هذه وأنا نائمة. الناس يعتقدون أننا لكي نحكي قصَّةً تخصُّنا ينبغي أن نكون مستيقظين، كأنّ علينا أن نحمي حياتنا مرّتين، حين نعيشها وحين نرويها. وأنا أقول إن أحداً لا يستطيع أن يروي قصَّته الحقيقيَّة، أو ما يظنها قصَّته الحقيقية، دون أن يكون مغمضاً”.

هذه العبارة مُفتتحٌ لحكاياتٍ كثيرة ترِد في العمل.

محمد سعيد – صعاليك هيرابوليس

تعتبر رواية صعاليك هيرابوليس للسوري محمد سعيد والصادرة لدى دار هاشيت أنطوان-نوفل بيروت، من أبرز الروايات التي تحدّثت عن التغريبة السوريَّة خلال العام 2019، حيث الشخصيَّات المنغمسةُ بكلّيتها في الحرب، منغمسة بالخراب والدمار الذي يلاحق السوريّ أينما حَلّ.

صعاليك هيرابوليس هي الرواية الأولى للسوري سعيد، تدور أحداثها في مدينة منبج السوريَّة. رواية تدور في فُلك الخرافات وتوثّق مرحلةً تاريخيَّة مهمَّة من الوجع السوريّ الممتدّ إلى سنواتٍ طويلةٍ خَلَت:

أعرف يا ماريّا أنّ في داخلك طفلة، وأنّ الأطفال يخافون الرصاص، ويحبّون صدور الأمّهات، لكنّي لا أملك لك سوى ذراعَين عزلاوَين في مواجهة كلّ هذا الأسى. أعرف أيضاً أنّك تحبّين الورود، لكنّ حديقتي لم تعد تُنبت سوى الشوك. من يوم جاؤوا، حطّموا الأشجار وأخرسوا الموسيقى وكنسوا ضحكاتنا عن الشوارع. صادروا حاضرنا لكنّني أنقذت بعض حكاياتي. خبّأتها لك. كنت أعرف أنّك ستأتين. كنت أعرف أنّك سترحلين. وأنّني أنا أيضاً سأرحل، لذا أودعتك إيّاها.

كمال الرياحي – البيريتا يكسب دائمًا

يعتبر الروائي كمال الرياحي من أبرز الأصوات الروائيَّة التونسيَّة ولن نبالغ بأن نقول أهمّها في الوقت الرَّاهن، حيث دأب مؤلف رواية “المشرط” وواظب على تركيزه في الحديث عن غرف التوقيف والمجرمين، والبيريتا هو نوع من أنواع المسدَّسات التي تنتقل من يدِ مجرمٍ إلى يد كاتب وهكذا بدون توقُّف، جاء في تعريف ناشر العمل عن البيريتا يكسب دائمًا والذي هو دار المتوسّط:

نصٌّ كمال الرياحي، والذي جاء في 240 صفحة من القطع الوسط؛ نصٌّ شرِّير عن الفوضى والغضب، عن العنف والفشل، عن الحب والشر، عن الرصاص والجنس والثورة، وعن الأدب. وربَّما عن حياةٍ سائبة؛ هذه التي يُطاردُها البيريتا.

رائد وحش – عام الجليد

عام الجليد، الصادرة لدى دار المتوسط للشاعر والصحافي السوري الفلسطيني رائد وحش، رواية كذلك عن الوجع، حيث نتتبّع “سبارتاكوس” بطل العمل وهو يحاول البحث عن فكرة الثورة الداخليَّة لدى الإنسان، لنكون أمام سردٍ مشغولٍ بحرفيَّةٍ عالية، حيثُ امتزاج الشعر مع الرواية، امتزاجُ الواقعيّ مع التخيّلي، الحقيقي والمؤلَّف، رواية تكاد أن تختزل الأسى، أو ربمّا تُنسي القارئ مرارة الواقع، مشجَّعاً إيَّاه الوقوف بثباتٍ أمام الحقائق.

القصص العربية

تنوّعت مواضيع وانشغالات القصة القصيرة العربيَّة خلال العام 2019، سنستعرض لكم فيما يلي أهمَّ تلك المجموعات القصصيَّة ومواضيعها.

وجدي الأهدل – التعبئة

التعبئة هي المجموعة القصصيَّة السابعة للروائي اليمنيّ وجدي الأهدل، والصادرة لدى دار هاشيت أنطوان-نوفل بيروت، وكعادته، نقرأ لـ الأهدل الغرابةَ والرصانة في الآنِ نفسه، تلك الغرابة التي تدفع به إلى أن يركّز على قادة العالم الأكثر بطشاً وفتكاً بالإنسانيَّة، أدولف هتلر، جوزيف ستالين، فرانشيسكو فرانكو، نيكولاي تشاوشيسكو، بول بوت، سوهارتو، فرديناند ماركوس، خورخه فيديلا، أوغستو بينوشيه وغيرهم من الذين حوَّلوا الأرض إلى خرابٍ، وذلك ضمن حكاياتٍ خياليَّة، أو لعلَّها أقرب إلى الواقع منها إلى الخيال، بأسلوبٍ مترابط، وهذا ما يميِّز عمل اليمني الأهدل، فهو في كل مجموعةٍ قصصيَّةٍ يصدرها يركِّز على ضرورة أن تكون الأجواء واحدة ومترابطة إلى حَدٍّ ما.

صلاح باديس – هذه أمورٌ تحدث

ضمن سلسلة براءات الخاصة بالشعر والقصة القصيرة، صدرت هذه أمورٌ تحدث للجزائري صلاح باديس عن دار المتوسط، وتركّز أجواء المجموعة كذلك على مدينةٍ عاشت الأسى اللامرئي، وقد جاء في معرض إعلان الناشر عن صدور الطبعة:

لعلنا منذ القصة الأولى نكتشف أبطالاً يعيشونَ تفاصيل مدينةٍ، تعيشُ هي الأخرى تحوُّلاتٍ تبدو غير مرئية حيناً، وتكشفُ عن أسرارها حيناً آخر. مدينةٌ عرفَت الزّلازل والهزّات الأرضية والتّاريخية والنّفسية، كما لو أنَّها بتلك التصدُّعات تحكي حكاياتها المُغيّبَة أو المنسية أو تلك التي تجرُّ سنواتٍ بعيدة كماضٍ يُلقي بظلاله على حاضرها.

ملتقى القصة القصيرة

ومن أهمّ الأحداث الثقافيَّة في مجال القصة القصيرة للعام 2019، كان جائزة ملتقى القصة القصيرة، التي تحظى بسمعةٍ جيَّدة، سنذكر هنا عناوين أبرز القصص التي وصلت إلى القائمة القصيرة ونركّز على مجموعة الفلسطينيَّة شيخة حسن حليوى.

احتراق الرغيف للسعودية وفاء الحربي.

السّاعة الأخيرة للتونسي سفيان رجب.

صرخة مونش للعماني محمود الرحبي.

الطلبيَّة C345 للفلسطينيَّة شيخة حسين حليوى.

مدن تأكل نفسها للمصري شريف صالح.

حصلت الفلسطينيَّة شيخة حسين حليوى على الجائزة التي تبلغ قيمتها 20 ألف دولار أمريكي وهي المرَّة الثانية التي تذهب فيها الجائزة إلى قاصّ فلسطيني، حيث سبق وأن حصل عليها القاصّ مازن معروف خلال الدورة الأولى لعام 2016. فازت حليوى عن مجموعتها القصصيَّة المعنوَنَة بـ الطلبيَّة C345 الصادرة لدى دار المتوسط للنشر في إيطاليا-ميلانو.

تمضي القاصَّة بسردها نحو مكانٍ يختلطُ فيه الشعرُ مع السَّرد. ثنائيَّة تبعدُ الكتابَ برمّته عن التصنيف أساساً. منطقة وعرة في الكتابة تقف القاصَّة على حافّتها بالحذر ذاته الذي يقف فيه الإنسانُ على قمة شاهقٍ، خلفه حقلُ ألغام وفي الأسفل حقولٌ من الموت.

ثمّة نزفٌ داخليّ عبر البوح الدائم يشعرُ بهِ القارئ لبساطة المكتوب وانفلاته من قوائم الأُطر الكلاسيكيَّة لمفهوم كتابة القصَّة القصيرة في العالم العربي.

اللغة المرنة والسلسة تطغى على المجموعة بأكملها، حيث تمتزج المواضيع داخل النصوص، أغلبها (أي المواضيع) ذاتيَّة الطرح، على الأقلّ من ناحية دلالات البوح الدائمة.

ومن ثم تتَّسع فجأة (على الرغم من قِصر النصوص) بعيداً عن الحوارات (كما جرت العادة داخل القصص) لتشمل المجتمع بأكمله.

كتب PDF ، كتب و روايات PDF ، أفضل تجميعات الكتب، كتب عالمية مترجمة ، أحدث الروايات و الكتب العربية ،أفضل ترشيحات الكتب و الروايات، روايات و كتب عالمية مترجمة.