أيها المحلفون، الله .. لا الملك

ستصاب بالإنبهار عندما تقرأه.. الأفكار التي وردت في هذا الكتاب منطقية جدًا و واقعية.. فيها تنظير للواقع العربي المسلم.. لواقع العربي المسلم الذي ربما قد لايعرف ماهي حقوقه ولا كيف يجب أن يعيش..

يبدأ الكتاب بمرافعة المفكر الهندي المسلم محمد علي في محكمة كراتشي الهندية – الإنجليزية أمام هيئة محلفين اضطرت أمام قوة حجته وبيانه أن تخلي سبيله.. هذا المفكر رفض الإلتحاق بالقوات البريطانية لقتال دول إسلامية أخرى.. لأنه مسلم ولا ينبغي لمسلم مهما كانت جنسيته أن يقاتل إخوته.. اعتقل وعرض للمحاكمة .. وبقوة حجته ومنطقه و وثوقه في الحق أخلي سبيله.. الحقيقة أن المحاكمة كانت رائعة لدرجة تفوق الوصف.. حتى أنك ستتخيل وجودك في المحكمة وهذا المفكر الهندي في غاية حماسه ودفاعه عن قضيته وهيئة المحلفين لاتملك ما تقوله أمام كل هذا المنطق وأمام هذا الانسان العارف دينه الواثق بربه.. الواعي لحقوقه كإنسان وكمسلم.

يعقب المرافعة الطويلة الممتعة تعقيب المفكر الإسلامي جودت سعيد.. فيقول في بداية حديثه: “رى الآن ونحن على عتبة غليان شديد وحديث لاينقطع عن عودة الإسلام أو المسلمين إلى الساحة البشرية من جديد كحملة رسالة ومنظور جديد للمشكلة الإنسانية في عصر انتقال من الحياة التقليدية التي عاشتها البشرية إلى التطلع لنظام عالمي جديد.. وبكل تواضع يجب أن أقدم وجهة نظري كمسلم يراقب الساحة الاسلامية العالمية كيف ينبغي للمسلمين أن يقدموا أنفسهم في هذا العالم الصاخب الذي احتلطت فيه المصالح والمغارم……” ويسترسل في تعليقه الرائع علي بعض ماجاء في مرافعة المفكر الهندي داعيا إلى استخدام المنطق والحجة أولا قبل العنف والسلاح..

ثم يعقب تعليق جودت سعيد المفصل والمليء بالافكار الشيقة عدة مقالات مجتمعة لخالص جلبي الكاتب في جريدة الشرق الأوسط والتي رأى أنها تصب في ذات الموضوع وتدعم أفكار المرافعة.. كما صاغ هشام حافظ أفكاره علي شكل أبيات شعرية جميلة رمزيه ..

هذا الكتاب والمرافعة على وجه الخصوص ترفع الوعي عند الإنسان العربي والمسلم.. وتحصن الوعي بما يمنع من استلابه ونقصانه وبالتالي نقصان حقوق المواطن.. فلا أسوأ من أن يعيش الفرد غير عارف بحقوقه حتى وإن كانت مسلوبة.. فأول الطريق لإسترداد الحقوق هي المعرفة بها.. يصحح الكتاب الكثير من الأفكار المسبقة التي حُشي بها رأس الكثير من المسلمين وطريقة تعامل المسلمين مع إسلامهم.. وأن طريقتهم هذي هي التي أساءت للإسلام.. هذا الكتاب يُشعل داخلك ثورة سلمية بعض الشيء.. أو على أقل تقدير سيرفع منسوب الوعي لديك، ستتمكن من استقراء أفكار جديدة فيما حولك.. ستؤمن بأفكار أخرى لم تكن قد اطلعت عليها سابقًا ربما.. ستتحرر من وهم القوة المسيطرة وستعلم أن قوة الشعوب في وعيها وليس في تكديس سلاح لايستعمل إلا لقمع شعوبها ؟

إليكم بعض الإقتباسات من الكتاب ..

"إن عدم تحمل النقد وانعدام آلية المراجعة واتهام الآخرين بقصورنا وعزو فشلنا إليهم تبرير غير مجدٍ، وتورط في حلف مع الشيطان في طريق الفحشاء والفقر لاعودة منه.. أما تحرير آلية النقد الذاتي وتنشيط مفهوم التوبة فتعني السير على خط آدم الذي تلقى من ربه كلمات فتاب عليه، لقد تورط الشيطان في ثلاثة أخطاء قاتلة: حين نسب خطأه إلى غيره ولم يراجع نفسه، ثم اعتز بمصدره العرقي، وأخطأ ثالثًا في الفيزياء حين ظن أن الطاقة أفضل من المادة والفيزياء تعرف اليوم أن الطاقة والمادة وجهان لحقيقة واحدة"

"النقد الذاتي وضع ديناميكي حي متطور في إنضاج الإنسان، إنها أداة نفض مستمرة للوعي كي يبقى نشيطًا حيًا، إنها يقظة واستنفار للإزادة وشحذ المثل الأعلى، وهي تطهير أخلاقي في مستوى الفرد، كما أنها بناء أسرة متماسكة والعيش في جو جماعة صحي وتطهير الوسط السياسي من الإرهاب والتسلط"

"المسلمون اليوم يخلطون بين ذواتهم وبين الإسلام ويعتبرون أنفسهم أنهم استثناء للقانون البشري، في تعالٍ أحمق يدفعون ثمنه يوميا، إنها كارثة عندما يختلط الإلهي بالبشري، الإسلام من لدن حكيم عليم، والمسلمون بشر يخطئون ويصيبون ويقتربون ويبتعدون، أو يصعدون و يهوون إلى أسفل سافلين فهل نعقل هذه القاعدة؟ عندما نعطل آلية النقد الذاتي نعطل الوعي، ونزيل أي إمكان لتصحيح الخطأ والنمو في المستقبل وهي كارثة ونحن علي كل حال في وضع أكبر من الكارثة"

"نحن نظن أننا أذا سمحنا للحق والباطل بفرص متكافئة فإن الباطل سيهزم الحق؟!! ذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين؟! نحن نظن أننا إذا فتحنا المجتمع الإسلامي لجميع الآراء فإن الاسلام سيختفي من الأرض؟! ولكن الذي ثبت أن الإسلام صمد عبر التاريخ ويكسب أتباعا باستمرار ليس أقلها (أخوات محمد ) في ألمانيا وعددهن يتجاوز الخمسين ألف، وكتاب جيفري لانغ عن الصراع من أجل الإيمان يبين كيف أن أستاذ الرياضيات الأمريكي الملحد أسره القرآن فاعتنق الإسلام ولكن اتصاله بالمسلمين فجعه؟!"

"المواطن العربي لايرى المشاكل بل يصطدم بها اصطداماً كما ينطح الأعمى الجدار فيجرح رأسه ولايتعلم من خطأه، بما لاتفعله الاميبيا؛ فيسرع الى الحلول الجاهزة والسريعة لمشاكل في حجم الجبال تعس من قرون، ويعمد الى شراء آلة لايحسن استخدامها، ويعجز عن صيانتها، ولايفكر في تطويرها."

 

أيها المحلفون، الله .. لا الملك،هشام علي حافظ – جودت سعيد – خالص جلبي