دروس مستفادة من رواية الخيميائي للكاتب باولو كويلو

رواية الخيميائي والضجة العالمية

كما أن رواية الخيميائي أو ساحر الصحراء للكاتب باولو كويلو حصلت على أكثر من ترجمة عربية اختلفت في القوة والسرد من مترجم إلى آخر، وأكثر الترجمات حبًا من قبل الجمهور هي المقدمة من الروائي والكاتب المصري؛ بهاء طاهر.

فقد اشتهر طاهر بالكتابات السياسية الساخرة تارة، وتلك الجادة تارة أخرى، مما جعله حاصلًا على رصيدٍ عملاق من الحب والتقدير على مستوى العالم العربي، وهذا أهله بالطبع لترجمة الرواية ذات الصيت العالمي، ويبدو أن الجمهور العربي استقبل الترجمة الجديدة بحفاوة بالغة فعلًا، وترجمها باسم (السيميائي: ساحر الصحراء).

أما بالنسبة لرواية الخيميائي نفسها، فهي محور حديث اليوم، كأفكار ودروس وعبر، بغض النظر عن الترجمات التي صدرت لها، أو الصدى الفِكري الذي عملت على خلقه لدى الجمهور الشرقي والغربي. اليوم معنا مجموعة دروس وعبر مستقاة من الرواية الشهيرة ذات الطابع الفانتازي.

قصة رواية باولو كويلو الأشهر في تاريخه

الرواية بمنتهى السهولة استطاعت أن تجمع بين الفانتازيا من جهة، والواقعية من جهة أخرى. حيث تتحدث عن رجل أراد أن يصير أغنى رجال العالم عبر إيجاد كنز موجود بمنطقة الأهرامات في مصر. الطريق من بلاده إلى تلك البلاد الصحراوية المقفرة؛ ليس بالسهل أو الممهد على الإطلاق، لكنه على استعداد لخوض تلك الرحلة على كل حال، فمن منا لا يريد أن يحسن حياته ويصير مثل إيلون مسك مثلًا؟!

في طريقه عمل في الكثير من الأماكن، حتى أنه قضى فترة طويلة في متجر للبلور، وعرض حياته للخطر أكثر من مرة. لكن كل هذا في كفة، وتعرفه على خيميائي الصحراء في كفة أخرى تمامًا. انقلبت حياة البطل تمامًا بعد أن تعرف على الرجل متعلم الخيمياء، ساحر الصحراء الغريب، الساحر الذي وعد بمساعدته للحصول على الكنز المدفون، وأكد عليه أن الأمر ليس سهلًا، والطريق وعر، ووافق البطل.

خلال الأحداث التصاعدية بامتياز، يتعرف البطل على نفسه من جديد، يدرس العالم بهدوء وروية، ويحاول أن يكون واحدًا مع الكون بالغ الجبروت والقوّة. فهل سيصل إلى الكنز في النهاية؟ وهل هو كنز ماديّ من الأساس؟ هذا ما ستعرفوه عند قراءة الرواية بكل تأكيد.

الخيميائي عمل قادر على تعليمك كل شيء عن نفسك، العالم، وما بعد العالم. رحلة روحية لاستكشاف النفس، ولن تخرج بعدها نفس الشخص أبدًا. وكأنك تستمع لأشعار نزار قباني بصوت ماجدة الرومي؛ تجربة نفسية من الطراز الرفيع، تصعد بك إلى السحاب إذا كنت مستعدًا لها، أو تهبط بك لتئن عظامك على أرضٍ صلبة إذا لم تكن مستعدًا بعد!

دروس مستفادة من رواية الخيميائي ساحر الصحراء


لا تغامر وأنت لا تعرف لغة بلاد المغامرة

نعلم جميعًا أن سانتياغو باع كل ما يملك من أجل تحقيق الحلم الذي دبّ فيه الحماس، وشرع يطوي الأرض بحثًا عن الكنز الغامض.4

لكن المشكلة الكُبرى التي أوقع نفسه فيها هي أنه ذهب إلى المغرب أولًا، وهو لا يتحدث العربية أبدًا، مما عرضه للاحتيال والنصب مباشرة بمجرد وصوله هناك، وبالتالي عمل لدى صاحب متجر البلور مرغمًا.


والدرس هنا هو أنك لا يجب بدء مغامرة في بلدٍ آخر دون أن تعلم لغة أهل ذلك البلد. أجل، هذه الأيام الترجمات موجودة على الهواتف بكبسة زر، وآنيًّا، لكن أن توجد في مكان لا تدرك فيه إذا كان الناس يتحدثون عنك أم لا؛ هو شعور مؤلم لذوي عقدة الاضطهاد، مثلي بالضبط.

يجب أن تثق في الناس أثناء رحلتك نحو اكتشاف الذات

رواية الخيميائي بالكامل تعتمد على نظام الإسقاط الواقعي، حيث يمكنك إسقاط (تشبيه) كل ما يحدث فيها، على أرض الواقع. أهم الإسقاطات هي الرجل الإنجليزي الذي يطمح بأن يكون الخيميائي القادر على تحويل المعادن الزهيدة إلى أخرى نفيسة، الساحر الذي لا مثيل له، والعالم الفذّ الذي ينحني له ملوك العالم.

من خلال وصف باولو كويلو للشخصية، أنت يجب أن تتوجس؛ وبشدة. هذا رجل لم تقابله سابقًا، ويريد أن يعتمد على السحر والأشياء المدمرة للمنطق ليكون عظيمًا، فهل تستطيع الوثوق به بسهولة؟

الإجابة هي: أجل.

ربما الدرس هنا فعلًا هو أن اعتناق الناس لأشياء غير منطقية، لا يعني بالضرورة أنهم أوغاد ويجب تحاشيهم. فمثلًا في واقعنا المعيش، هناك من يؤمنون بكيانات غير مادية تحوم في الأرجاء بل وتتحكم في أشياء كثيرة من حولنا، كلها أفكار تتنافى مع أسس التفكير العلمي جملة وتفصيلًا، لكن هذا لا يجعلهم أشرارًا، فمنهم الطيبون.

لكن احذر، عندما يقوم أحدهم بجعلك غير مرتاح بموجب خزعبلاته، اوقفه عند حده، واقطع صلتك به فورًا، صحتك النفسية فوق كل اعتبار، هذا حقك كإنسان.

إبهار الآخرين قد يسهل لك أمور الحياة

حسنًا، هذا فيه نوع من الخداع بعض الشيء، لكنها الحياة، وهذا ما تريد رواية الخيميائي إيصاله لنا.

لقد تعلمت أن للعالم روحًا، ومن يستطيع فهم هذه الروح، يمكنه أن يفهم لغة الأشياء.

عندما تم القبض على بطل القصة (بصحبة الخيميائي الإنجليزي) من قِبل رجال قبائل الصحراء، تم توجيه تهمة الخيانة القَبلية إليهما مباشرة. وكانا سيموتان بلا رحمة، إلا أن الخيميائي أرشد البطل لمناجاة الرياح، وهذا ما أبهر رجال القبيلة، وقلب الموازين، وفي النهاية حررهما من الأسر، بل وجعل زعيم القبيلة يأمر الجنود بالصطحابهم إلى مصر، حماية لهم في الطريق المدجج بقطاع الطرق والحيوانات الصحراوية الضارية.

في بعض الأحيان عليك خداع الناس عن طريق الإبهار، فربما تبهرهم بما تستطيع القيام به فعلًا، أو تبهرهم بتماشيك مع أفكارهم بعد نزاع طويل، هذا في النهاية قد يقلل من شأن نفسك أمام مرآة ذاتك، لكنه سيحقق مآربك بلا شك.

لا تبحث عن أحلامك في أرض اللصوص بدون حماية

عندما وصل بطل رواية الخيميائي أخيرًا إلى مصر، شرع في الحفر بنفس المكان الذي شاهده في الحلم، وبالفعل وجد عملة ذهبية واحدة.

لكنه قد وصل إلى كنز، وما من عمل يتم إلا ببلوغ غايته. وهنا، عند قمة هذا التل؛ قد بكى.

لكن بمجرد أن وصل لها، هجم عليه اللصوص من كل حدب وصوب، وأجبروه على استكمال الحفر، بالطبع ليأخذوا الكنز لأنفسهم، ثم يتركوه ليتعفن في الصحراء. لكن في النهاية لم يجد شيئًا، وأبرحوه ضربًا، وجلس يندب الحظ والغباء.

الدرس هنا أنه لا يجب أن تبحث عن أحلامك في أرض اللصوص بدون حماية أبدًا؛ فذهاب البطل وحده منذ بداية الرحلة هو خطأ فادح، فعلى الأقل كان اصطحب محاربًا شجاعًا، ووعده بمقاسمه الكنز معه عندما يجده، وبهذا يزيد فرصه في الحصول على الكنز فعلًا في نهاية المطاف.

وإذا أسقطنا الموقف على أرض الواقع، فالعبرة هي أنه لا يجب الدخول في أحد المشاريع التي تستنزف الوقت والجهد والمال، دون أن يكون معك المزيد من ثلاثتهم في جعبتك، فإذا ضاع ما سبق؛ تبقى ما يمكن استخدامه لاحقًا لتعويض الخسائر.

ربما ما تريده، أسفل قدميك!

الإنسان ينهمك دائمًا وأبدًا في حياته لدرجة تُعميه عن رؤية الواقع من حوله. ربما الأحلام التي نسعى لتحقيقها في أقاصي الأرض، موجودة أسفل أقدامنا بالفعل، وكل ما علينا فعله هو الحفر بعض الشيء؛ لاستخراجها.

عندما كنت مع غنمي، كنت سعيدًا. وكنت أشرك في سعادتي، كل من حولي.

هذا كان حال بطل رواية الخيميائي ساحر الصحراء في نهاية الأحداث، حيث عاد إلى نفس الكنيسة في موطنه الأصلي -الكنيسة التي كان ينام فيها مع أغنامه قبل بيعهم وبدء الرحلة الطويلة- وحفر هناك، ووجد صندوقًا مليئًا بالقطع الذهبية والمجوهرات وكل شيء كفيل بجعله أغنى أغنياء البلاد.

وبالفعل، استطاع أن يحقق أسطورته في النهاية. والأسطورة الحقيقية هي أسطورة مناجاة الرياح والتأقلم مع الكون بمبدأ: الكل للواحد، والواحد للكل.

العبرة الحقيقية من الرواية كلها أن الإنسان لا يجب عليه أن يرنو إلى أقصى الخيالات جموحًا، يكفي أن يقوم بتحليل الواقع من حوله، وربما فعلًا يستطيع التأقلم مع الموجودات في كل مكان، وتسخيرها لصالحه، ومع القليل من الجهد، سيحقق ما يريده في النهاية.

بالطبع تلك الحقيقة السردية لا تنطبق على الجميع، فأنا شخصيًّا أحلامي لن تتحقق في الوطن العربي بأي حال من الأحوال، وعليّ أن أرنو للبعيد. لكن الدرس الذي تعلمته من هذه الرواية، هو أنه يجب التأقلم مع واقعي المعيشي هنا في هذه البلاد، بهدف استغلال موقفي لأقصى درجة تحقق أكبر الإيجابيات ليّ؛ الإيجابيات الكفيلة بتحقيق مآربي الشخصية في نهاية الرحلة، والتي بدورها ستخلق رحلة جديدة تمامًا، بطلها الأول والأخير هو أنا!