تأليف : فاليري ليبن

في الأدبيات الغربية تكثر الدراسات والأبحاث والمقالات المكرسة لدراسة مختلف جوانب التحليل النفسي ويحاول واضعوها إدراك الأفكار التحليلة النفسية وتحديد مكان سيغموند فرويد في تطور الثقافة الغربية وإعطاء تقويم علمي عقائدي للتحليل النفسي للفرويدية ككل. وليكن معلوماً أن في تفهم فن علاج الأمراض بواسطة التحليل النفسي وتقويم تعاليم "فرويد" حول الثقافة والإنسان على حد سواء، ذلك القدر من التناقض بحيث انهما لا يخضعان فعليا لتأويل واحد وفي كل الأحوال إن آراء الكتاب الغربيين المتعددة وأحكامهم المختلفة حول التحليل النفسي تدل على وجود مناهج متنوعة وأحيان وجهات نظر متعارضة بصدد جوهر التعاليم الفرويدية. يعترف علماء كثيرون أنه لوحظ في الفترة الأخيرة هبوط في سمعة التحليل النفسي، سواء من أعين الأخصائيين أو لدى أولئك الذين كانو مولعين بأفكار التحليل النفسي. ورغم أن بعض الباحثين الغربيين يفترضون ان "الفلاسفة لا يعيرون الإهتمام الكافي لفرويد" فإن الإهتمام بالتحليل النفسي في العالم الغربي يحظى في الوقت الحاضر باهتمام غير قليل وهو يتجلى بالذات تحت شعار الإدراك الفلسفي لأفكاره وتصوراته ومعناه العام. هذا ويفترض للكشف عن تاريخ هذه المسألة خاصة أن تخرج من نطاق هذا الكتاب، إلا أنها مهمة هامة تتطلب جهوداً جديدة لتعميم تلك المادة التي يمكن استقاؤها من مصادر متنوعة وستوفره اليوم في متناول الباحثين لدراستها، ولكن ضمن حدود الدائرة المرسومة للمسألة فإنه يكفي التأكيد على أن القوالب الجامدة الموضوعة سابقا تجاه تعاليم فرويد في التحليل النفسي لا تزال ماثلة. ويمكن تفسير ذلك على الأرجح بعدم وجود التقويم الكامل من جانب بعض الباحثين لفلسفة التحليل النفسي ولصلة أفكار التحليل النفسي بالمدارس الفلسفية الأجنبية على حد سواء، ولهذا السبب كان لابد من استجلاء الصلة المتبادلة التاريخية والمنطقية بين تعاليم فرويد في التحليل النفسي والتيارات الفلسفية المعاصرة. يفترض أن تبرز هذه الصلة المتبادلة دراسة ثلاثة جوانب مرتبطة فيما بينهما ارتباطا وثيقاً، بحيث يتاح المجال حسبما نأمل للحكم بكل المعرفة على العلاقات بين التحليل النفسي والفلسفية. أولا: من الضروري تحديد ما إذا كانت الأفكار الفلسفية التي سبقت العصور قد أثرت في تشكل تصورات التحليل النفسي ومفاهيمه. ثانيا: ينبغي مناقشة مسألة ما إذا كان بالمستطاع بكامل المسوغات التحدث حول فلسفة التحليل النفسي وفيم يكمن جوهرها. ثالثا: من العام تبيان أن مدى وكيفية تأثير أفكار التحليل النفسي بدورها في الفكر الفلسفي المعاصر في الغرب. إن بناء هذا الكتاب المقترح ومحتواه إنما يخضعان وبالذات للكشف عن هذا الهدف الثلاثي الواحد.

---