كيف ألهمت الأوبئة الشعراء العرب؟

طاعون عصر الأمويينكان للطاعون آثاره على الدولة الأموية والحياة والمجتمعات في أقاليمها المختلفة، وشهد عصر الدولة الأموية حوالي عشرين طاعونًا، بمعدل طاعون واحد لكل أربعة أعوام ونصف تقريبًا.
واعتبر أن تراجع ثقل دمشق -التي كانت عاصمة للخلافة الأموية- يعود لتفشي الطاعون الذي حسم أيضًا معارك كبيرة في العصر الأموي، بما فيها صراع مصعب بن الزبير مع عبد الملك بن مروان بالبصرة، وكذلك حسم سقوط الأمويين عندما استغل العباسيون الوقت المناسب لإعلان ثورتهم بين طاعونين كبيرين أصابا الشام والعراق في منتصف القرن الثامن الميلادي (الثاني الهجري).
كان للمسلمين والمسيحيين نظرة للوباء بشكل مختلف، فقد نظر إليه المسيحيون كعقاب إلهي للبشر جراء الآثام والشرور التي ارتكبوها أو يرتكبونها، كما نلاحظ في العهد القديم الذي يتناول "انتقام الرب من البشر بتسليط الوباء عليهم لا سيما نبوءات إرميا وأشعيا".
أما عند المسلمين فقد اختلف الطاعون تحديدًا عن سائر الأوبئة لارتباطه بأحاديث تصفه بالرحمة وتعتبر الميت بالطاعون شهيدًا، وللصابر فيه أجر المرابط في سبيل الله، ومن ثم اختلفوا في مسألة الدعاء برفعه من عدمه، ومع ذلك ذهب عدد من الفقهاء لاعتباره عقابًا إلهيًا على الانغماس في الملذات والمعاصي وترك العبادات وإهمال الفروض.
أدباء وأوبئة
وقبل تسعة قرون كتب الفقيه والأديب عمر المعرّي الكندي المعروف بابن الوردي قصيدته عن الطاعون التي اعتبرت من قصائد رثاء النفس؛ إذ توفي بسبب الطاعون بعد يومين من كتابتها، وتزخر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتقليد قديم في كتابة الشعر عن المرض والوباء.
ليست الأعمال المتعلقة بالوباء في منطقة الشرق الأوسط مجرد أدب خيالي؛ إذ تتجاوز الأعمال الفنية والانطباعية لتشمل أيضًا إرشادات النظافة وكتب السفر والأحاديث، وعلاوة على ذلك، قدمت أعمال كاتب القرن التاسع ابن أبي الدنيا مع الأعمال التي كتبها ابن حجر العسقلاني إرشادات حول كيفية مكافحة المرض، مثلما نلجأ في القرن الحادي والعشرين إلى منظمة الصحة العالمية وهيئات الإرشاد المختصة.1947: الكوليرا في مصرتصور قصيدة الكوليرا للشاعرة العراقية نازك الملائكة (1923-2007) ظلال الموت والحزن والمعاناة التي حطمت مصر خلال الأشهر الأخيرة من عام 1947، واعتبر الوباء هو الأكبر من نوعه في مصر خلال القرن العشرين، حيث أسفر عن وفاة أكثر من عشرة آلاف شخص.
وتستحضر الملائكة في قصيدتها صورًا حية لعربات تحمل جثثًا وللصمت الذي خيّم على الشوارع المصرية، كما تستخدم عبارات عامية للمرض، وتقول:
في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
وقد أشاد النقاد بأسلوبها في ذلك الوقت باعتباره من أول أعمال الشعر الحر بدلاً من القصيدة التقليدية، وفتحت القصيدة فصلاً جديدًا من الشعر العربي وألهمت موجة جديدة من الشعراء العرب لتجربة أشكال مختلفة من الشعر. وخلال التسعينيات، انتقلت الملائكة إلى القاهرة حيث أمضت سنواتها الأخيرة.1784: الطاعون في شمال أفريقياركز التصور الشعبي للأوبئة على تفشي الأمراض مثل الموت الأسود في العصور الوسطى أو تفشي الإنفلونزا ما بين 1917-1920، التي أُطلق عليها اسم "الإنفلونزا الإسبانية".
يروي كتاب "10 أعوام في بلاط طرابلس" لريتشارد تولي، القنصل البريطاني في طرابلس الغرب منذ عام 1784 قصة الطاعون الذي أصاب المدينة الساحلية في عام 1785.
كتب تولي كيف كان القش المحترق يستخدم لتطهير المنازل، إلى جانب ما يمكن أن نعترف به الآن على أنه تباعد اجتماعي. وكان الوضع أيضًا قاسيًا في تونس، حيث وصل الطاعون إلى مدينة صفاقس عام 1784، ومن المرجح أنه قتل نحو 15 ألف شخص، وحصل ذلك في مدينة ساحلية يبلغ عدد سكانها 30 ألفا، أي ضعف مدينة طرابلس.
وأصيبت صفاقس سابقًا بالطاعون عام 1622 ومرة أخرى عام 1688، وبعد قرن قضى الوباء على العديد من نخبة الطبقة الحاكمة، بما في ذلك المسؤولين والسياسيين والشعراء، وبدأ الوباء عندما وصل تجار البحر بعد هروبهم من الطاعون في الإسكندرية، ورغم منعهم من دخول صفاقس لكن بعض البحارة تمكنوا من خرق هذا الحظر.