كقطة تعبر الطريق رواية معاصرة للكاتب حاتم حافظ عن الحب والحرب والهجر

الصراعات في رواية كقطة تعبر الطريق

في رواية كقطة تعبر الطريق نجد صراعات عديدة بين الحب والرغبة المستمرة في الهجر، بين الحياة المجهولة الممتدة وبين الرغبة المستمرة في التوقف عن مجاراة الحياة والسقوط في بئرٍ سحيق ربما يؤدي بنا إلی الموت أو التوقف في أماكننا حتی تنتهي الحياة!

“لا أحد قادر علی تعويض غياب أحد لكننا كائنات مقدر لها الغياب، كل هذا الحضور مقدر له الغياب. لن يكون هناك أشخاص قادرين علی تذكرنا أو حتی نسياننا في المستقبل.”

يطرح حاتم حافظ روايته الجديدة بعنوان غريب، كأحجية لا تعرف حلها، عنوان يليق بقصيدة نثر أو نص شعري طويل، ولكنه يوضح في صفحات الرواية سر اختيار العنوان ليجعلك تتأكد أن رواية كهذه عن الهرب المستمر والترحال الدائم لا يصلح أن يكون لها اسم إلا “كقطة تعبر الطريق”.

التشبيه الذي اعتمد عليه العنوان يصف كل شخصيات العمل، يصفنا نحن الراكضون دائمًا، الباحثون عن الشعور بالراحة أو الأمان، تلك المشاعر التي ما أن نحصل عليها نهرب منها لأننا لا نثق في الحياة ونظن أن هذه المشاعر مجرد هدوء يسبق العاصفة التي ستطيح بنا وتطردنا إلی عمق مشاعر القلق والخوف وعدم الشعور بالأمان.

“ما الذي تجده قطة في الجانب الآخر من الطريق ولن تجده في جانبها؟”

يحكي الكاتب عن الحرب والدمار والتشتت الذي عانت منه “عالية” بطلة روايته، ولكن، وبصورة أعمق، يحكي حاتم حافظ عنا جميعًا دون تميز، كلنا مررنا بالحرب سواء بالمعنی الحقيقي للكلمة وما تعنيه من قصف ودمار شامل لعالمنا، وأما ما قد تعنيه الكلمة من حرب معنوية كالحرب التي تنشب بين المرء ونفسه.

كقطة تعبر الطريق هي رواية عن الحب والدمار والقلق، عن الهجر والقسوة، عن الخوف الذي نهرب منه دائمًا.

“كل صباح أسأل نفسي ما الذي يدفعني للخروج من غرفتي؟ ما الذي يدفعني للخروج من سريري؟ لا شيء. يمكنني الموت في سريري دون أن ينتبه أحد”.

الكاتب حاتم حافظ والسرد الحديث

تبدأ رواية كقطة تعبر الطريق بنسق مرتبك، مشتت، أظنه كان نابعًا من إحساس أبطال العمل الذي يبدأ وأبطاله علی وشك الانفصال بسبب الملل! في وسط الرواية ترتفع الوتيرة بصورة رائعة وتبرز قدرة الكاتب حاتم حافظ كروائي علی ربط الأحداث مع بعضها وحياكتها كمعطف شتوي يقي من البرد، يضع الجملة بجانب الأخری فتبدو الكلمات بجانب بعضها في بعض الأحيان جيدة وفي أحيانٍ أخری أكثر من رائعة، مدهشة وجديدة.

تبدأ الرواية في تعليق القارئ بها في اللحظة التي يحكي فيها كل فرد حكايته بشكل منفرد ليوضح ما بداخله، ليشارك القارئ حكايته التي قد تبدو عادية، ولكن طريقة حكايتها تمنحها بريقًا مذهلًا.

يتناوب ميشيل وعالية سرد الحكاية.. ميشيل رجل فرنسي بالكامل، يهرب من شعوره الدائم بالعدمية وعدم جدوی أي شيء، ينفصل عن زوجته ويقع في عدة غراميات لا تمنحه العزاء الكافي، يقابل عالية ويقع في حبها، ثم في كل مشاكلها وآلامها، يقع فيها كفخ لا هروب منه. يعجز عن هجرها وعن خيانتها، رغم عجزه الدائم عن الشعور بالانتماء أو الوجود.

بينما عالية المهاجرة من سوريا أراضي الموت والقصف الدائم والدمار، المرأة التي تقترب من الثلاثين وتمتلك طفلة تجوب بها البلاد كالمشردين تعجز عن البدء من جديد دومًا، امرأة يطاردها صوت القصف والحنين الدائم، يطاردها الشعور بالخوف وعدم الأمان والضعف، امرأة غاضبة من العالم ومن الناس، غاضبة لأنها مجبرة بشكل دائم ولا تملك رفاهية الاختيار.

“سوف ينتهي لك المطاف لمعرفة المكان الذي سوف يحتضن وجودك. أمامك عمر كامل لتبحثي فيه عن هذا المكان”.

الرواية التي لا ترتكز حول قضية واحدة أو مكان واحد أو بطل واحد نجدها تشمل كل الجوانب الحياتية الإنسانية، تتناول الأمور بطريقة سردية حديثة تعتمد علی العصف الذهني والتداخل ومزج الأحداث ببعضها البعض، يؤدي هذا الأمر لإرباك القارئ وتشتيته ليجد نفسه مضطرًا لقراءة نفس الفكرة مرة أخری، ولكنه يُنتج نصًا فريدًا يعد تجريبيًا للوصول بالعمل لصورة مميزة.

“المرء إما يحب وإما أنه لا يحب، تلك أشياء نعرفها بالفطرة، أنتِ غاضبة، والحب والغضب لا يمكنهما التصالح يا صغيرتي”.