جمهورية الخيال

تشتغل الأكاديمية الأمريكية من أصل إيراني آذر نفيسي على عوالم الروايات بعمق لإخراج ذلك التماثل الافتراضي الرمزي، وذلك المعادل الموضوعي بينها وبين الواقع الحقيقي بمرجعياته السياسية والثقافية.

قبل أن أجعل من أمريكا بلادي بوقت طويل أقمتُ في قصصها الخيالية، وأشعارها، وموسيقاها، وأفلامها السينمائية أي أن أستاذة الأدب الغربي بجامعة جون هوبكينز الأمريكية والأستاذة سابقاً في جامعتي طهران والجامعة الإسلامية الحرة شغفت باستقصاء تمثيلات الخيال السياسي في الروايات العالمية، خاصةً الغربية منها رغم تصريحها أكثر من مرة بأنها غير معنية بالسياسي، ولكن كتاباتها جميعها تطورت تورطا جميلاً في السياسي فأعادت صياغته ممتزجاً بخيالها السياسي ورؤيتها النقدية.

في عام 2003 نشرت آذر نفيسي سيرتها الذاتية في كتاب أسمته "أن تقرأ لوليتا في طهران" وجعلته تحت اسم "رواية".

واختارت نفيسي رواية "لوليتا" لنابوكوف عنواناً لعملها، والرواية باختصار تتحدث عن قصة طفلة صغيرة في الثانية عشرة من العمر عنيدة شرسة الطباع.

وبعد وفاة والدها يغتصبها عجوز اسمه هومبرت مستغلاً نزقها، وطيشها ورغبتها في الاختلاف، ويسيطر على حياتها سيطرةً شاملة قامعة محيلاً إياها إلى آلة صماء مُسخ لاماضٍ لها ولاحاضر ولامستقبل، إلا مايكتبه هذا العجوز الذي امتلك تاريخها، وأخذ يصوغه كيف ما شاء إلى حد إقناعها بأنها هي المذنبة ومرتكبة الخطايا وليس هو! تقول آذر نفيسي عن لوليتا نابوكوف:

"إذا فكرت بانتقاء عمل أدبي يعكس واقعنا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإنّ هذا العمل لن يكون بأي حال "ربيع الآنسة جين برودي" ولاحتى"1984" ربما يكون"دعوة لضرب العنق" لنابوكوف، أو إنني أجد أقرب الأعمال حتى الآن هو "لوليتا""، "لقد كان على هومبرت ليعيد ابتداع لوليتا أن يأخذ منها تاريخها الحقيقي ليضع مكانه التاريخ الذي يريد، ونحن لانتعرف إلى لوليتا إلا عن طريق هومبرت ولا نتعرف إليها عبر ماضيها، وإنما عبر ماضٍ خيالي مفترض يبتدعه الراوي الذي يقحم نفسه في حياتها.وهذا هو بالضبط ما أطلق عليه بعض النقاد نظرية الأنا عند "هومبرت"!

تسرد آذر نفيسي في كتابها "جمهورية الخيال، أمريكا في ثلاثة كتب" الصادر عام 2016 متخيل أمريكا في تمثيلاته المتنوعة عند ثلاثة كتاب أمريكيين، هم مارك توين وسنكلير لويس وكارسون مكولرز.

واستقصت نفيسي عشرات الكتب والوثائق المتصلة بالولايات المتحدة الأمريكية والمتصلة بهؤلاء الكتاب الثلاثة، فعلى سبيل المثال استقصت فيما يتصل بمارك توين سيرته الذاتية الضخمة التي كتبها هو، وأعماله الأدبية، وسيرته التي كتبتها ابنته بعنوان بابا: سيرة ذاتية حميمة لمارك توين بقلم ابنته ذات الثلاثة عشر عاماً، ومقدمة توني موريسون لطبعة جامعة أوكسفورد ل"هكلبري فن" وغيرها من الكتب.

وكتاب "جمهورية أمريكا" صاحب نفيسي منذ طفولتها الباكرة ومنذ متخيلها الأول العجائبي عن أمريكا.

تقول نفيسي:

"قبل أن أجعل من أمريكا بلادي بوقت طويل أقمت في قصصها الخيالية، وأشعارها، وموسيقاها، وأفلامها السينمائية.

رحلتي الخيالية الأولى إلى أمريكا جرت عندما كنت في نحو السابعة من عمري، عندما أدخلتني معلمتي الخصوصية التي كانت تلقنني الإنجليزية إلى الساحر العجيب المقيم في أوز، كان منهاجنا المدرسي الرئيس كتاباً يحوي قصصاً بسيطة عن أخوين أمريكيين، من المفترض أن يكونا فتاةً وغلاماً.

ثمة صفة خاصة يمتاز بها هذان الصغيران النظيفان جداً والمهذبان جداً ألا وهي أنه مهما كان يجري لهما من أحداث كانت تعابير وجهيهما تحتفظ دوماً بابتسامة سرمدية، كنت أعرف اسميهما، ومكان إقامتهما، وروتينهما اليومي، ومدرستهما.

كان عالمهما صغيراً وضيقاً، لذلك لم أرغب المزيد عن هذين الصغيرين الباسمين".

مر زمن طويل على مرحلة الطفولة نالت فيه نفسي درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي، وبعد تدريس استمر لبضع سنوات في جامعتي طهران والجامعة الإسلامية الحرة وبعد فصلها من جامعة طهران بعد رفضها ارتداء الحجاب في 1981، هاجرت نفيسي إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحصلت على المواطنة الأمريكية.

في كتاب "أن تقرأ لوليتا في طهران" أرادت آذر نفيسي أن يعرف العالم الشعب الإيراني في تنوعاته الثقافية، وأنه ليس صورة واحدة منمطة.

تقول نفيسي:

"كتبتُ "أن تقرأ لوليتا في طهران" لأنني وودت أن يعرف الناس أن الإيرانيين، الإيرانيين الحقيقيين، ليسوا ذلك الآخر الغريب، نتاج"ثقافتهم"، بل أننا أيضاً شعب، كبقية شعوب العالم، مثلكم، كانت بعض طالباتي الجامعيات متدينات، وبعضهن الآخر لم يكن كذلك؟ كانت بعضهن مسلمات تقليديات وبعضهن الآخر مسلمات علمانيات، بعضهن كن بهائيات أو زرادشيات".

وفي "جمهورية الخيال" أرادت نفيسي أن تبرز تنوع تمثيلات أميركا في ثلاثة كتب لكتاب أمريكيين يمتد نتاجهم من أواخر القرن التاسع عشر إلى ستينيات القرن الماضي، في تمثيلات تتجاوزأميركا الحلم، أميركا القارة الفانتازية "بلاد أوز"، وأمريكا عهد الآباء المؤسسين، وأمريكا حركة الزنوج، وأمريكا والحركات الشعبية المناهضة لحرب فيتنام.

كتاب "جمهورية الخيال" هو امتداد لسرود آذر نفيسي الذاتية التي وجدناها في "أن تقرأ لوليتا في طهران"و"أشياء كنتُ ساكتة عنها"، وبإيجاز آذر نفيسي في هذه الكتب جميعها تريد أن ترسل رسالةً إلينا، نحن المتلقين، كيف تختزل بعض الروايات هذا العالم كله! وكيف يتوازى الأدبي المجازي مع الواقعي السياسي، والثقافي في سرد جميل شائق تتداخل فيه السيرة الذاتية بالأدب وبالسياسة!

كتب PDF ، كتب و روايات PDF ، أفضل تجميعات الكتب، كتب عالمية مترجمة ، أحدث الروايات و الكتب العربية ،أفضل ترشيحات الكتب و الروايات، روايات و كتب عالمية مترجمة.