جذور أفكار النظرية النسبية في أعمال غاليليو ونيوتن

مبدأ النسبية لغاليليو 

تخيل نفسك تجلس في سيارة متوقفة على طريق أفقي لا يحتوي على مطبات أو حفر، وأن هناك سلسلةً تتدلى أمامك من سقف السيارة. لو كانت السيارة ساكنةً على هذا الطريق، فستكون السلسلة شاقوليةً تماماً ولن تحس بأي قوة تؤثر عليك سواءً للأمام أو الخلف أو الجوانب. ولو تركت قلماً من يدك، فسيسقط تماماً تحت النقطة التي أفلتّه منها. فلو أخذت السيارة بالحركة إلى الأمام على خط مستقيم وبزيادة سرعتها بالتدريج، ستجد أن السلسلة انحرفت إلى الخلف، وستحس بقوة تضغطك على المقعد إلى الخلف، في حين أن القلم سيتجه إلى الخلف قليلاً عندما تفلته من يدك.

ولو بدأت السيارة فجأة بتخفيف سرعتها إلا أنها استمرت بالحركة على نفس الخط المستقيم، ستجد أن السلسلة انحرفت إلى الأمام، وستحس بقوة تدفعك للأمام، في حين أنك لو تركت القلم من يدك فسيقع للأمام قليلاً عما كان سيفعل لو كانت السيارة ساكنة. ولو حافظت السيارة على سرعتها ولكنها كانت تتحرك على منعطف ستجد أن السلسلة انحرفت مبتعدةً عن مركز المنعطف، وستحس بقوة تدفعك أيضاً بعيداً عن مركز المنعطف في حين أن القلم الذي ستتركه من يدك سينحرف قليلاً مبتعداً عن مركز المنعطف أثناء سقوطه.

حتى الآن لا شيء غريب في ذلك. لكن الأمور المثيرة تبدأ عندما تبدأ السيارة بالحركة على خط مستقيم وبسرعة ثابتة، أي فيما يدعى بالحركة المستقيمة المنتظمة. عندها سترى أن السلسلة عادت شاقولية ولن تحس بأي قوة تدفعك للأمام أو الخلف أو الجوانب كما أن القلم سيقع تحت النقطة التي أفلتّه منها. وبالتالي لو تخيلنا أنه ليس للسيارة نوافذ ترى منها الخارج وبغياب المطبات والحفر على الطريق، فأنت لن تحس بحركة السيارة، علماً أننا سنفترض أنك معزول بحيث لا تسمع صوت المحرك. فهل يمكنك القيام بتجربة ميكانيكية في هذه الحالة تمكنك من معرفة ما إذا كانت السيارة ساكنةً أم تتحرك حركة مستقيمة منتظمة.

في الواقع لا يمكن ذلك من خلال أي تجربة ميكانيكية. وبذلك يمكننا أن نصوغ ما يدعى بمبدأ النسبية الغاليلي نسبةً لغاليليو غاليليه، والذي يصاغ اليوم بالشكل: لا يمكن أن نميز من خلال أي تجربة ميكانيكية بين حالتي السكون والحركة المستقيمة المنتظمة. بمعنى آخر، إن قوانين الميكانيك هي نفسها لدى جميع المراقبين الذين يكونون إما ساكنين أو يتحركون حركة مستقيمة منتظمة بالنسبة لبعضهم.

والسبب في قولنا بأن قوانين الميكانيك ستكون نفسها لدى هؤلاء المراقبين هو أن نتائج التجارب الميكانيكية لديهم نفسها، والقوانين ليست سوى توصيف لنتائج التجارب.

قانون نيوتن الأول 

لنعد الآن إلى مثالنا وأنت جالس في السيارة التي تتحرك حركة مستقيمة منتظمة. لقد رأينا أنك عندما تفلت القلم من يدك، فسيقع تحت النقطة التي أفلتّه منها، ولنقل عند أصابع قدمك. لنفرض الآن أن صديقك يقف ساكناً على الطريق. إن صديقك أيضاً سيرى أن القلم سيقع عند أصابع قدمك. إلا أن ذلك يعني بأن القلم كان يتحرك أفقياً بنفس سرعة السيارة حتى يلحق بأصابع القدم ليسقط عندها. ولكن لا توجد أية قوة كانت تدفع هذا القلم أفقياً، وبالتالي نحن لسنا بحاجة لقوة للحفاظ على الحركة المستقيمة المنتظمة. من هنا يأتي قانون نيوتن الأول الذي يدعى أيضاً مبدأ العطالة، وهو ينص على أن الجسم الذي لا يخضع لمحصلة قوى خارجية يكون إما ساكناً أو متحركاً حركة مستقيمةً منتظمة.

وهنا لابد من أن نذكر الأمرين التاليين: أولاً، إن الجسم الذي نتحدث عنه هنا سيكون صغيراً جداً بحيث يمكن أن نتغاضى عن بنيته الداخلية، وهو ما يدعى في الفيزياء بالنقطة المادية، ومن الآن فصاعداً عندما نقول “جسم” فما سنقصده هو النقطة المادية ما لم يرد خلاف ذلك. ثانياً، إذا ما أردنا توخي الدقة في قانون نيوتن الأول، فيجب أن نقول بأنه إذا انعدمت محصلة القوى الخارجية المؤثرة على جسم وفق اتجاه ما، فستكون حركة الجسم وفق هذا الاتجاه حركة مستقيمة منتظمة أو سيكون ساكناً أيضاً وفق هذا الاتجاه. وتركيزنا على كلمة قوى خارجية هنا يأتي من اعتبارنا أن الجسم لا يملك بنية داخلية.

قانون نيوتن الثاني

لنتساءل الآن عما نقصده بكلمة قوة، وما إذا كان بالإمكان أن نصوغ تعريفاً دقيقاً لها. في الواقع يمكننا ذلك منطلقين من قانون نيوتن الأول نفسه. فلقد عرفنا متى يكون الجسم غير خاضع لمحصلة قوى خارجية: عندما يكون ساكناً أو حركته مستقيمة منتظمة. وبالتالي يمكننا القول أن الجسم يخضع لمحصلة قوى خارجية إذا لم يكن ساكناً ولا متحركاً بحركة مستقيمة منتظمة وهو ما يُعَبَّر عنه بالقول أن الجسم يمتلك تسارعاً (أي أن سرعته تتغير بالقيمة أو الاتجاه- أي جهة الحركة- أو بكليهما). ولكن هل يكفي امتلاك الجسم لتسارع للتعبير عن مفهوم القوة الحدسي الذي يكون عادةً في رؤوسنا؟

ولمعرفة الجواب، لنفترض أنك قمت بالتجربة التالية: لنفترض أنك أتيت بصندوقين متماثلين أحدهما فارغ والآخر مملوء بكرات معدنية، وأردت أن تدفعهما بحيث تتغير سرعتاهما بنفس القدر، فهل ستبذل يا ترى نفس الجهد في الحالتين؟ في الواقع لا، وستلاحظ أنك استهلكت جهداً أكبر في دفع الصندوق المليء بالكرات. قد يخطر في بالك أن ذلك مردّه إلى أن الصندوق المليء سيعاني احتكاكاً أكبر يقاوم من حركته لأنه سينغرس أكثر في الأرض. إلا أن هذه الفكرة سرعان ما تتبدد إذا ما دفعت أنا باتجاهك الصندوقين وحاولت أنت إيقافهما فعلى الرغم من أن الاحتكاك في هذه الحالة سيكون بعكس حركة الصندوقين أي أنه يدفع معك، إلا أن إيقافك للصندوق الفارغ سيكون أسهل!

بالتالي فالأجسام المادية تمتلك خاصيةً تجعلها تمانع تغيير حالتها الحركية، وهذه الخاصية تدعى العطالة ويعبر عنها بعدد ندعوه الكتلة العطالية للجسم. وينص قانون نيوتن الثاني على أن محصلة القوى الخارجية التي يخضع لها جسم ما تتناسب مع الكتلة العطالية لهذا الجسم ومع تسارعه: فنحن نحتاج قوةً أكبر كي نعطي جسماً ذو كتلة عطالية أكبر نفس التسارع. ويدعى هذا القانون بالعلاقة الأساسية في التحريك . ولقد افترضنا أثناء صياغته أن الكتلة العطالية للجسم تبقى ثابتة.\

قانون نيوتن الثالث

يا ترى هل يكفي قانونا نيوتن الأول والثاني لتفسير كل مشاهداتنا؟ لنفكر في بعض المشاهدات. لماذا عندما تصطدم سيارة في جدار، نجد أنهما يتأثران معاً، ولا نجد أن السيارة وحدها أو الجدار وحده هو ما تأثر؟ لماذا لا تستطيع رفع نفسك من شعرك؟ لماذا تستطيع السير على الأرض في حين أنك لو قفزت في الهواء لن تتمكن من السير أبداً؟ لماذا عندما يؤثر مغناطيسان في بعضهما نجد أن كلاً منهما يدفع الآخر؟ لماذا عندما تضغط الحائط بإصبعك تجد أن الحائط بالمقابل يضغط على إصبعك الأمر الذي يمنعك من اختراق الجدار؟

في الواقع إن كل تلك المشاهدات وما يشبهها دفعت نيوتن إلى الانتباه إلى أمرين: أولاً أن القوى تأتي في أزواج متعاكسة، فلا يمكن لجسم أن يؤثر على جسم آخر دون أن نجد أن الجسم الآخر قد أثر عليه أيضاً. وثانياً نجد أننا نحتاج دائماً كي نتحرك إلى وسط للارتكاز أي أنه لا يمكننا الاعتماد على القوى الداخلية في جملة مكونة من عدد من الأجسام المادية لإحداث حركة شاملة للجملة ككل، فمجموع هذه القوى الداخلية دائماً معدوم. ولقد وجد نيوتن أنه يمكننا تفسير كل ما سبق من خلال قانون بسيط يدعى قانون نيوتن الثالث أو مبدأ الفعل ورد الفعل، وهو يقول أنه إذا تآثر جسمان، فهما سيؤثران على بعضهما بقوتين متساويتين بالمقدار ومتعاكستين بالاتجاه ندعو إحداهما الفعل والأخرى رد الفعل.

وعلينا الانتباه إلى أن قوتي الفعل ورد الفعل لا تؤثران في نفس الجسم وإلا لما كان شيء تحرك في الكون (على عكس الخطأ الشائع الذي يظنه الكثيرون بأن القوة المدعوة باسم سيء هو رد الفعل والتي تمنع الكتاب مثلاً من اختراق الطاولة هي رد فعل على ثقل الكتاب، إذ أن رد الفعل على ثقل الكتاب هو قوة جذب الكتاب للأرض!).

في النهاية قد يسأل أحدهم، أليست الصواريخ في الفضاء الخارجي تتحرك دون وسط ارتكاز؟ في الواقع لا. فوسط ارتكاز الصاروخ هو الغاز الذي ينفثه بحد ذاته: فبدفع الصاروخ للغاز، يقوم الغاز بدفعه بقوة مساوية ومعاكسة بالاتجاه تمكنه من الحركة في الفضاء، وهذا ما يجعل الصاروخ يستهلك كميات كبيرة من الوقود.

وكملاحظة أخيرة على هذا القانون، نجد أننا لو طبقناه على تأثير نقطة مادية على نفسها، سنجدها تؤثر على نفسها بقوة تساوي وتعاكس نفسها، أي بقوة معدومة، وهذا ما يبرر اعتبارنا أن النقطة المادية لا تؤثر بقوى على نفسها!