ثلاث كتب سريعة في زمن كورونا

تقرير عن الرفاعية
هو عبارة عن قصصٌ متتابعة متفرقة تتوالى بكثافة وسرعة لتحقق هدفاً واحداً، نكتشفه في القصة الأخيرة ونحن: نلهث من الإثارة تارة، ومن الترقب تارة، ومن محاولة فصل خيال الفولي عن سيرته المدسوسة تارة أخرى، وكأنه بهذا -كما قرأت كوصفٍ لأسلوبه- يبدو سارداً مقتدراً بواقعية سحرية ذات رائحة حريفة مشوقة تحمل بصمة اللاتينيين.
ذاع صيت الفولي كمترجم رائع عن الإسبانية، وصل للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس الثقافية القصة القصيرة 2019 بهذا العمل الصادر
عن دار الكتب خان، يعمل محرراً في القسم الرياضي لوكالة الأنباء الأسبانية في القاهرة. لم أقرأ أيًا من ترجماته بعد، لكن رواية “استسلاملراي لوريغا -التي قام بترجمتها- تتكئ منتظرة، وأنا أُفضل على الدوام أن أتعرف على الكاتب بمعزل عما يترجم.
تقرير عن الرفاعية“ كتاب تستطيع قراءته كرواية خفيفة ذات فصول مقتضبة وشيقة، كما تستطيع قراءته كمتوالية قصصية محبوكة
بمهارة. وفي استطاعتك قراءته كحكاية بوليسية متماسكة لمطاردة الرفاعيين لرجل ثلاثيني يحاول فك شيفرة اسم شارع بيت عائلته القديم “إبراهيم الرفاعي”، لكن ليس باستطاعتك أبداً أن تُسْكِتَ ذلك الهتاف المبحوح الذي سيتردد داخل رأسك بعد أن تغلق الكتاب: “محمد … يافولي!”
رواية مكعبيلتقي الكاتب ببطلة الرواية المنفية قسراً، والتي تركت قلبها وحياتها في وطنها، عبأت جسدها في الحقائب، كدسته بعناية حتى لا يموت ولا يخدش، ليطمئن قلب والديها، فيما بقيت الروح مذبوحة هناك.
تبدو تسمية الرواية مرتكزة على حدثٍ جانبي للسائح الأديب، حدث غير مهم لكن أهميته هو في اللقاء المُهَنّدس بين بطل الرواية وموظفة المعرض الفني، والذي حدث بسببية المكعب، مجرد مكعب! ليس له أي معني جمالي أو هندسي سوى أنه: مكعب.
لغة الرواية بسيطة جداً، مباشرة جداً، تجعلك تفكر بأن بساطتها قد ترمز لعمق القصة ومعناها في السطور القليلة، شعرت بالملل قليلاً بسبب
إنشائية الأسلوب في الرواية إضافة لكثرة الكليشهات، لكن نفس فيصل الرائق، وتألق لغة المسرح في روايته جعلني أكملها للنهاية، كما جعلني أتوق للتعرف على نتاج فيصل المسرحي لتميز لغته، وقلة الأقلام المسرحية السعودية.
84، شارع تشارينغ كروس
يجذبك هذا الكتاب كقارئ بسبب بساطته وخفته واقتضابه. فيما تغلغله لداخلك: نفاذ، سلس، مريح. وحين بلغت الرسالة التي أرسلتها جوان تود -سكرتيرة مكتبة ماركس وشركاه- لهيلينا تبلغها بوفاة فرانك، سقط حزن مفاجئ وحقيقي داخلي، نما ذلك الحزن من حولي وبت أرى هيلينا وهي تكتب بحماسة وشغف، غير مهتمة سوى بأن تجد عزلتها المريحة للكتابة، مع الطعام الذي تحب والتبغ الذي تفضل، مع كتبها التي توفرها لها رفقة فرانك المتفهمة في الجانب البعيد من العالم.
مع عزلة جائحة الكورونا سقط ذلك الحزن داخلي عميقاً وحقيقياً، وبت حقاً قلقة بألا أحقق ما أريده في هذه الدنيا: القراءة وسط مكتبتي التي
أحلم، كتابي الحقيقي والذي سيجد طريقه حقاً لقارئه، رفقة متفهمة، التفرغ للكتابة الحرة.. التفرغ التام كما كانت هيلينا منزوية داخل شقتها التي تحوي ضروريات حياتها: أريكتها البسيطة، سجائرها، رسائل فرانك، ومطبخها وحمامها المليئان بالصراصير!  
صدرت الترجمة العربية لكتاب “84، شارع تشارينغ كروس” عن دار ممدوح عدوان في 2019، قام بالترجمة: دلال نصر الله، وقُدم
سينمائياً عام 1987 بطولة: أنتوني هوبكنز، آن بانكروفت، جودي دينش.