كلما إقترب فصل الشتاء وبدأت درجات الحرارة في الإنخفاض، كلما أصبحت القراءة هي النشاط الأكثر متعة وتفضيلاً لعدد كبير من الأفراد، فهل هناك ما هو أروع من رفقة مشروب ساخن ورواية جميلة،  في ليالي الشتاء الباردة؟!

ولكن على الرغم من كثرة الأعمال الأدبية المطروحة في  الآونة الأخيرة، إلا أن القليل منها فقط، هو ما يمكن تصنيفه كعمل أدبي مميز فعلاً، وأقل القليل من تلك الأعمال الأدبية المميزة هو المعروف والواسع الإنتشار، بينما يبقى الكم الأعظم مجهولاً وبعيداً عن دائرة الضوء تماماً.

لذا قررت أن أقدم لكم في لقائنا اليوم نبذة مختصرة، عن مجموعة من  الأعمال الأدبية الحديثة، كانت الصدفة البحتة هي سبب معرفتي بها، كونها الأعمال الأدبية الأولى أو الثانية على الأكثر لعدد من الكتّاب الجدد، غير المعروفين بالدرجة الكافية.

مؤلفات رائعة، أرغب بشدة في حمايتها من السقوط في فخ الظلام الكبير، الذي يبتلع عدد كبير من أقلامنا الشابة، قبل أن نتمكن حتى من التعرّف عليها.

رواية الزعفرانة

تعد رواية الزعفرانة، هي ثاني الأعمال الروائية للكاتب  أحمد سلامة، نشرت للمرة الأولى في 27 يناير 2018.

من المؤكد أنك سمعت وقرأت أكثر من مرة عن لعنة الفراعنة، ولكن هل تعرف شيئاً عن اللعنات التي أصابت الفراعنة، وأمتدت لتصيب أحفادهم في زمننا الحالي؟!

هذا ما ستعرفه فور قراءة رواية الزعفرانة، التي تدور أحداثها في ثلاثة محاور زمنية مختلفة.

المحور الأول.. الماضي القريب بتفاصيله الجميلة، المفعمة بالحنين الجارف لأشياء وأشخاص ذهبت بلا رجعة.

المحور الثاني.. الحاضر  الذي بدأ بواقع غلب عليه طابع الحزن الهادئ، الذي تحول مع الوقت إلى شغف كبير، من خلال أحداث مشوقة للغاية، مكتوبة بسلاسة شديدة، تصل بك لنهاية غير متوقعة ولكنها مُرضية جداً ومناسبة لمختلف الأذواق.

المحور الثالث.. مصر القديمة، زمن الفراعنة، جولة داخل قصور الملوك، وما يحاك فيها من مؤمرات.

أحداث محكمة السرد، من وحي خيال المؤلف، الذي إستطاع بمهارة  وكفاءة عالية من نسج زعفرانته، لتطلق عبيرها المؤثر على كل من قرأ كلماتها.

حكايات بعد النوم

المجموعة القصصية الأولى والوحيدة للكاتب الشاب أحمد الديب، تم نشرها للمرة الأولى في ابريل 2014.

مجموعة من قصص الفانتازيا التي تألق فيها خيال الكاتب، ليخرج لنا عمل مميز، صحِبنا أحمد الديب من خلاله في جولة رائعة في عوالم الفلسفة والخيال الخالص.

إن كنت من محبي المبدّع هيرمان هسّه وفلسفته الغامضة وكلماته السهلة الممتنعة،  فإنك بالتأكيد ستقضي وقت رائع مع كلمات أحمد الديب، الذي خرج بعمله المميز والوحيد _للأسف_ من تحت عباءة الكاتب الكبير هيرمان هسّه.

سار أحمد الديب في مجموعته على نهج هيرمان هسّه، ولم يخرج عن الإطار الفانتازي الجميل، حتى وصل بنا إلى قصته الأخيرة بعنوان “الوطواط”.

جاءت قصة الوطواط واقعية تماماً، لتوضح لنا مدى قدرة الكاتب الكبيرة على نسج حكايات واقعية معاصرة من قلب الحدث.

كتاب خيبة الأمل

العمل الأول للكاتب الشاب محمد جمال، نشر حديثاً في أكتوبر 2018، حصلت رواية “كتاب خيبة الأمل” على المركز الأول في جائزة أخبار الأدب.

يمكننا أن نطلق على محمد جمال فور الإنتهاء من روايته” كتاب خيبة الأمل” لقب الحكّاء الصغير، فبالرغم من صغر سن الكاتب، فقد إستطاع أن يحكي لنا حكاية مشوقة ومفعّمة بالكوميديا السوداء، عن طريق سرد أدق التفاصيل الموجودة حولنا في كل مكان.

تستطيع بسهولة شديدة أن تجد أبطال كتاب خيبة الأمل، سواء الشخصيات المعروفة لكل قارىء، أو حتى تلك المغمورة الموجودة في خيال محمدجمال، إنها حولنا في كل مكان  بصور وأشكال مختلفة في حياتنا اليومية.

عن النهاية.. قد تكون متوقعة ولكني أحببتها، كوني أحد أنصار العدالة الشعرية دائماً وأبداً.

جاءت نهاية الرواية على ثلاثة مراحل، حققت المرحلة الأولى الرضا الكامل للقارىء الكاره لحمدي الكمسري، بينما سيفضل من تعاطف مع حمدي وتفهّم أسبابه النهاية الثانية، التي يحصل فيها حمدي على كل ما يتمناه، أما المرحلة الثالثة والنهاية الفعلية كما قرر كاتبها أن تكون فهي نهايتي المفضلة، هذا هو ما يستحقه حمدي كان لا بد وأن يحصل حمدي في النهاية على….. بالطبع لن أحرق لك النهاية، أحصل على نسختك الخاصة وإستمتع بحكايات محمد جمال الذي طاف بنا في ترام حمدي الكمسري شوارع الأسكندرية الصاخبة التي ربما لن تجدها في أعمال كثيرة، فالجميع تقريباً لا يرى في الأسكندرية سوى البحر، ولكن محمد جمال يراها ويحكي عنها بعين ساكنيها، وأنا أدرك تمام كيف يرى ساكني الإسكندرية بلدهم، فأنا واحدة منهم لذا عليك أن تصدقني!

غارب

الرواية الثانية للكاتب محمد عبد القهّار نشرت للمرة الأولى عام 2016.

يقدم لنا محمد في روايته تاريخ الأندلس الذي سبق وتم تناوله في أكثر من عمل فني مرئي ومكتوب.

أهم ما يميز رواية غارب أنها تقدم كم هائل من المعلومات التاريخية في إطار روائي متميز شديد الإتقان، نجح خيال الكاتب شديد الجموح في تقديم المعلومات مع وصف أدق تفاصيل نهاية دولة الأندلس، ليشعر القارىء وكأنه يحيا في الأندلس لايقرأ عنها.

الرواية ليست سهلة القراءة أبداً، بالعكس فلغة الكاتب المتقنة  تليق بالمخطوطات الأندلسية، هذا بالإضافة لتصنيف الرواية  التاريخي، الذي  يجعل منها وجبة دسمة بحق، ولكنها أيضاً ممتعة.

قام الكاتب بتقسيم روايته لفصول أعطاها عناوين مميزة جداً تستحق الذكر والإشادة بها.

تناولت الرواية حياة الفارس الأندلسي الأخير “موسى بن أبي غسان” الذي قام بقيادة الجيوش الإسلامية قبل سقوط غرناطة.

إعتمد الكاتب في سرد الأحداث التاريخية على مصادر موثقة منها موسوعة دولة الإسلام في الأندلس، وكتاب نبذة العصر في أخبار ملوك بني مصر.

في النهاية أكرر وأؤكد لك إن كنت تبحث عن المعلومة التاريخية في إطار روائي ممتع فعليك بقراءة كلمات محمد عبد القهّار.