الرؤية البصرية للرواية سينمائيًّا

لقد اقتحمت السينما عالم الرواية ودخلت إلى عمق شخصياتها وفتشت عن أحلامهم ورغباتهم وهواجسهم ونبشت ماضيهم واقتحمت الرواية عالم السينما بتقنياته الجديدة فحطمت بنية السرد التقليدي وعملت على تشابك عنصري الزمان والمكان وتداخل الأزمنة وغيرها.
علاقة وثيقة ربطت بين هذين الوسطين (السينما/الأدب) قمة تأثير وتأثر وتبادل مواقع بين مبدع الرواية أو القصة او القصيدة وبين مبدع الفيلم.. إن هذا التبادل يعطي مؤشرًا واضحًا على ما يتحقق في عالم السينما من وجهة نظر الأدب وما يتحقق في الأدب من وجهة نظر السينما.
ويعد الفيلم مجالاً تعبيريًّا خاصًا وهو أداة لرواية الحكايات تقاسم القصة القصيرة والرواية عناصر كثيرة.. والفرق الكبير بين الفيلم والرواية والقصة، والمسرحية هو أن الفيلم ليس سلسًا على الدراسة أي أنه متحرك ولا يمكن تجميده بفعالية على الصفحة المطبوعة كما في الرواية والقصة، وهما أيسر نسبيًّا على الدراسة فقد كتبتا لتقرأ ولا يعني ذلك إننا نتخلى عن مبادئ التحليل الأدبي أو الدرامي للفيلم.. فالفيلم والأدب يتقاسمان عناصر كثيرة وينهض التحليل السينمائي الجيد على مبادئ التحليل الأدبي نفسه.
وقد تمثل ذلك في نظريات المونتاج وسرد الحدث الدرامي التصويري، وخلال النصف الثاني من الأربعينيات طبعت الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية، وكذلك الموجة الجديدة في فرنسا - في مطلع الخمسينيات - الأدب ببعض خصائص هذه الموجة، فتأثرت الرواية الجديدة بتقنيات السينما، من خلال الإيقاع السريع، والانتقالات المفاجئة، فنجح المونتاج السينمائي وتكسير الزمن من جهة والفلاش باك والاستعادة الذهنية من جهة أخرى في أن يُؤثر على عدد من الأدباء.
ويتميز الفيلم بأنه حكاية تروى بالصور مثل ما الرواية والقصة حكاية تروى بالكلمة المكتوبة, ثمة اختلافات تفرضها وسيلة التعبير نفسها فالكتابة بالصورة تختلف عن الكتابة بالقلم والتعبير الميكانيكي الذي تفرضه آلة التصوير يختلف عن التعبير الأدبي ولكن يظل هناك تقارب ما ورؤية ومحاولة طموحة أن تقترب الرواية من السينما وأن تكون السينما أمينة على ما تقدمه لها الرواية من نصوص.
ولكن تبقى الأهمية في كلا الفنين في كيفية المحافظة على الجوهر والهدف الذي وُلدت لأجله كل من الرواية والسينما، وهو إيصال الرسالة الفكرية ومحتوياتها لذاك المتابع والمستقبل لنتاج لنتاجهما. ويظهر الخلاف الأكبر في هذه العلاقة المضمونية والارتباطية بينهما وخاصة عندما يتم تحويل الرواية إلى عمل سينمائي، وفي كيفية مقدرة الفيلم ورسالته المطروحة والمنبثقة من الرواية في الحفاظ على مضمون هذه الرواية وعدم تشويشها عن طريق الكثير من الاختزالات التي تتعرض لها عن طريق نقلها إلى السينما تحت مسمى الضرورة التزامنية للحدث، أو الإسهاب السردي، أو تحت ذريعة المؤثرات الخارجية والبيئية والسياسية والاجتماعية، لأن في كثير من الأحيان قد يستغني النص السينمائي عن كثير من الأحداث الجوهرية والمفصلية، ويحذف بعض الخطوط المكتوبة، وقد يغير في النهايات، وكذلك قد يستغني نهائيًّا عن بعض الشخصيات والأحداث البنيوية للرواية، وذلك بحجة عدم مواءمتها إنتاجيًّا لتبقى تحت إمرة رؤية المخرج وشركة الإنتاج لهذا الفيلم، الذي قد يقيد رؤية كاتب الرواية وحكايته وصيرورتها التتابعية من وجهة نظر الراوي لا الصانع. الأمر الذي قد يودي بانحراف ضمني وجوهري لرسالة الرواية ومقولتها.
إن هناك كثيرًا من الروايات العربية والعالمية التي تم نقلها وتحويلها لأفلام سينمائية، منها ما شهدت تدخلاً إيجابيًّا سينمائيًّا أضيف لرصيدها وقعًا ومتابعة، ومنها ما غير واجتزئ وحذف فيها الكثير من الشخصيات التفاعلية المهمة والفواصل التاريخية المحورية في سرد الحدث وأهمية هذا التاريخ وضرورة عرضه ضمن سير الحكاية المرئية ليتمكن المشاهد من ربط وتوثيق المرحلة والحقبة التي مرت بها الأحداث حينها وإسقاطاتها الحالية مقارنة مع الزمن الذي يعرض به الفيلم ويتحدث عن حكاية الرواية تلك.
فعلى سبيل المثال لا الحصر روايات نجيب محفوظ، خاصة التي حولت لفيلم اسمه (القاهرة 30)، ورواية حنا مينة في فيلم (الشراع والعاصفة)، الأمر الذي جعل المتابع لكلا الروايتين والفيلمين يحس ويشعر بحالة الفصل بينهما، وحصول حالة من الشرخ تتشكل على هيئة فجوة إدراكية بين المقروء والمرئي، حيث يسهب ويبحر الشخص المتلقي للرواية المقروءة بخياله بصور ومشاهد، يدهش حينما ترجمت إلى صور مرئية كيف أنها لا تطابق خياله وذهنيته التسلسلية التي كوّنها من القراءة، ومن ثم يقود ذلك تقديريًّا إلى الانتقاص من القيمة الفعلية للرواية.
وبالعكس تمامًا استطاع كثير من الأفلام الغربية حصرًا، إجادة تحويل الرواية لفيلم، وأصبحت طريقة تقديمها كفيلم، فيه من المتعة والمتابعة والشهرة للرواية وكاتبها نفسه أكثر بكثير لو تم الاحتفاظ بها في صيغتها فوق رفوف المكتبات أو في أدراج قرائها أو على بسطات الطرقات، لا تلقى من يقرؤها ويعرف كنوزها ويبحر فيها. ومن أهم هذه الأفلام التي تعد من أهم الأفلام في تاريخ السينما هو فيلم "ذهب مع الريح" عن الرواية التي تحمل الاسم نفسه للكاتبة مارجريت ميتشل، فنجاحها لم يكن نتيجة فحوى العمل الأدبي في حد ذاته وإنما الفيلم الذي حمل مضمون تلك القصة ومنح الرواية شهرة أكبر بكثير، وذلك من خلال إجادة المخرج في تقديم رؤيته لهذه الرواية بصريًّا وسينمائيًّا، أي برؤية الكاميرا لا رؤية الكلمة. وتعد رواية "ذهب مع الريح" الرواية الوحيدة التي كتبتها ميتشل والتي حققت وما زالت المبيعات بالملايين بفضل الفيلم ـ قائمة أشهر الروايات العالمية, هذا إضافة إلى أنه خلّد اسم مؤلفة الرواية.. فلولا السينما لكان مصير الرواية والمؤلفة مجهول, خاصة وإن العمل نفسه من الناحية الأدبية لا يدخل في عداد الأعمال الأدبية الشامخة. وهل كان سيكتب الخلود لشخصية مثل "هيثكليف" بطل رواية "مرتفعات وزرنج" لولا أنها تحولت للسينما, وها هي "أميلي برونتي" (1818 ـ 1848) مؤلفة الرواية تلحق بزميلتها "ميتشل" إلى "تاريخ الخالدين".. وكان هذا لن يتحقق إلا بفضل السينما التي تعيد من الحين إلى الآخر إخراج هذه الرواية. حتى وليم شكسبير" نفسه (1564 ـ 1616) لم يكن يحلم بأن شخصيات أعماله مثل "هاملت" "لير" "ماكبث", عطيل", "يوليوس قيصر", ستكون بمثل هذا الخلود والانتشار لو لم تتناولها السينما عشرات المرات.. حتى مسرحية "روميو وجوليت" التي كتبها شكسبير في منتصف حياته الأدبية عام 1956, كانت السينما من أهم الأسباب وراء تخليدها.
رائعة كازانزاكي فيلم "زوربا" اليوناني الشهير قدمها بأمانة ودقة بالغتين المخرج مايكل كاكويانس غير مبتعد أبدًا عن رؤية الكاتب، الكاتب الذي جعل من ممثل الفيلم أنتوني كوين غلافًا لروايته، الممثل الذي أبدع في تصوير شخصية الرواية في الفيلم بأداء عالي البراعة والاحترافية، فاستحق أن تكون صورته على غلاف الرواية ذاتها. وكذلك الأمر في فيلم (طعام صلاة، حب) التي أدت الدور فيه جوليا روبرتس والتي كانت سببًا كبيرًا في إعادة قراءة هذه الرواية لمقارنتها مع الفيلم ومعرفة التفاصيل أكثر من قبل عدد كبير من الناس عبر العالم.

العلاقة بين السينما والأدببدأت علاقة السينما المصرية بالأدب في عام 1930 بأن قدم المخرج محمد عبدالكريم رواية "زينب"، في فيلم صامت، وهى للدكتور محمد حسين هيكل، ثم قدمها مجددًا عام 1952 من خلال فيلم ناطق، وذلك بوصفها أن الموضوع مأساوي يستهوي عشاق السينما.
ثلاثية محفوظ:قدم الروائي نجيب محفوظ الثلاثية وهي سلسلة مكونة من ثلاث روايات أدبية ألفها محفوظ وتعد من أفضل روايات الأدب في تاريخ الأدب العربي حسب اتحاد كتاب العرب، وتتكون الثلاثية "بين القصرين" (1956)، و"قصر الشوق" (1957)، وقدم أيضًا "السكرية" في العام نفسه، والقصص الثلاث تحكى عن حياة كمال ابن السيد أحمد عبدالجواد، وأسماؤها مأخوذة من أسماء شوارع حقيقية بالقاهرة.
وقدم محفوظ أيضًا العديد من الروايات التي تعرفها السينما جليًّا، ومنا (زقاق المدق)، (اللص والكلاب)، (المرايا)، (القاهرة الجديدة) و(ملحمة الحرافيش).
يوسف السباعي:قدم "نحن لا نزرع الشوك" وتم عرضها سينمائيًّا ودراميَّا، كذلك (رد قلبي) عرضت في السينما والتليفزيون، وقدم أيضًا (أرض النفاق).يوسف إدريس:قدم العديد من الأعمال الأدبية ومن  الأعمال التي عرفتها السينما المصرية، تحولت قصة (البطل) إلى فيلم عام 1977، كما قدم (الحرام) وهو من إنتاج عام 1965،(النداهة) عام 1965، قصة (بيت لحم) وهو إنتاج مصري سوفيتي مشترك عام (1991)، كذلك فيلم (آخر الدنيا)، الذي تم إنتاجه في عام 2006.الطيب صالح:قدم العديد من الروايات منها  رواية "عرس الزين" التي تحولت إلى فيلم.أحمد مراد:قدم رواية "الفيل الأزرق" التي تحولت إلى فيلم.