من فعلها – الرواية البوليسية التشويقية
يحتاج المرء إلى كثير من الحذر وهو يتحدث عن الرواية البوليسية. حرق الأحداث والتلميح للنهاية يحدث بسهولة، كما أن من الأخطاء الشائعة التي ترتكبها دور النشر كون النبذة الملخصة لفكرة الرواية موضحة أكثر من المطلوب، بحيث تتحول قراءتك للنص إلى استكشاف بطيء لما تعرفه أصلًا من الملخص. أحيانًا يكشف وصف الكتاب عن أحداث يفترض أن تكون مفاجئة، يحتاج القارئ إلى قراءة 100 صفحة مثلًا قبل اكتشافها. لهذا سأحاول جعل هذه القائمة مختصرة مكتفيًا بتعليقات عجلى على الروايات البوليسية موضع الاقتراح.
امرأة في النافذة، آ. ج. فين
“امرأة في النافذة” هي رواية “آ. ج. فين” ظاهرة عام 2018 التي فازت بجائزة جود ريدز لأفضل كتاب تشويقي. حصلت الرواية على كثير من الثناء وحققت مبيعات هائلة وتم نقلها للعربية بترجمة “الحارث النبهان” المميزة.
الرواية البوليسية قائمة على فكرة “هيتشكوك” في “Rear Window” (المقتبس عن قصة قصيرة لـ “كورنيل وولريش”): ما الذي يمكن أن تراه إذا راقبت الآخرين من نافذتك لوقت طويل؟ تتحرك أحداث الرواية سريعًا بعد بداية متأنية بعض الشيء، لتقود إلى نهاية مذهلة متعددة الطبقات.
كان يفترض صدور الفيلم المقتبس عن الرواية في مايو 2020 قبل تعطل الحياة العامة بسبب الوباء. الفيلم من بطولة “إيمي آدمز” و”جوليان مور” و”جاري أولدمان”.
العشاء، هيرمان كوخ
هي أول رواية هولندية تصل إلى قائمة “نيويورك تايمز” للأكثر مبيعًا. معظم أحداث رواية “العشاء” تدور في مكان واحد، حيث تجتمع أسرتا أخوين للعشاء لمناقشة مسألة شائكة. لا تبدأ الرواية بجريمة ولا تعد خلال مسارها بحركة ولا تكاد عقدتها تنكشف إلا بعد قسم كبير منها. السرد ساخر في جزئه الأكبر، وترجمة “محمد عثمان خليفة” المدعومة بعبارات عامية موفقة تلائم النص. تمت ترجمة الكتاب إلى 33 لغة وجرى اقتباسه لفيلم هولندي وآخر إيطالي وثالث أمريكي.
تسلط الرواية الضوء بشكل خاص على علاقة الآباء بالأبناء؛ تأثير أحدهما في الآخر وطرق التعامل المتاحة مع الأزمات، كما تناقش دور العائلة في تشكيل مبادئ الإنسان وتعامله مع المواقف المحورية في الحياة، والعوامل الداخلة في عملية اتخاذ القرارات المهمة التي يمكن أن تحدد ماهية المرء لما بقي من حياته.
نشرت رواية “أحدنا يكذب” للكاتبة “كارين م ماكمنوس” عام 2017 ونقلت إلى العربية في 2019. الرواية واسعة الشعبية ذات نجاح ضخم، وأحداثها تجري في مدرسة ثانوية عقب موت أحد طلابها، كاشفة أثر ذلك على مجتمع هزيل الروابط مفكك مهووس بالإعلام ومواقع التواصل والإثارة الرخيصة.
يتعاقب على السرد أربعة أصوات لأربع شخصيات هي المتهمة بجريمة القتل، والحق أن تعدد الحكايات ووجهات السرد يبقي انتباهك ويصرف عنك السأم. بلا إبطاء تتكشف الأسرار وتقع تغيرات مفاجئة للأحداث، ثم تأتي النهاية الصادمة التي أعترف أنها -على بساطتها الظاهرة- لم تعبر خاطري.
الرواية متوسطة الطول تقع ترجمتها العربية في 350 صفحة تقريبًا، والترجمة لا تخلو من أخطاء ساذجة متكررة هي أحد عيوب الرواية القليلة. إذا كنت من متابعي الأفلام والمسلسلات الأمريكية فالرواية وُصفت على أنها خليط من فيلم “The Breakfast Club” ومسلسل “Pretty Little Liars”، وقد صدر منها جزء ثانٍ بعنوان “أحدنا اللاحق One of Us Is Next” في يناير 2020 وإن لم يُترجم بعد.
“الوعد” رواية قصيرة نسبيًّا من الكاتب السويسري “فريدريش دورينمات”، نشرت للمرة الأولى عام 1957. ترجمت الرواية للغات عديدة وتم اقتباسها للمسرح ولأفلام سينمائية أشهرها النسخة الأمريكية بعنوان The Pledge، والتي قام ببطولتها “جاك نيكولسون” و”بينيسيو ديل تورو”.
النص، الذي ترجم للعربية للمرة الأولى عام 2008، يتحدث عن محاولة القبض على قاتل فتاة صغيرة، وأثر المطاردة على الشرطي المكلف بها، ومدى عبثية فكرة المطاردة البوليسية ضعيفة الإمكانيات من الأساس.
الكتاب ليس مريحًا في سرده أو نهايته، وهو في الواقع أقرب إلى نوع من السخرية من أدب الجريمة وأنماطه، حتى إن الكاتب اختار عنوانا فرعيًا هو “في رثاء الرواية البوليسية”. لو كنت شاهدت الفيلم الكوري “Memories of Murder” فأنت بصدد رواية من العالم نفسه، هي بالتأكيد لا تلائم أولئك الذين يحبون النهايات المريحة
“أميرة الجليد” للكاتبة “كاميلا لاكبرغ” هي الرواية الأولى في سلسلة روايات تدور في القرية نفسها في السويد، ولها -بطبيعة الحال- طابع الروايات التي تدور في قرى قوام التواصل البشري فيها منغلق على تبادل النميمة وتتبع الأسرار، وهو أمر يفيد النوع البوليسي عمومًا وروايتنا هذه خاصة.
يبدأ النص باكتشاف جثة امرأة ستكون هي محور الرواية، بحيث سنقضي الصفحات التالية نتعرف على حياتها بطريقة تجميع أطراف الأحداث ممن عرفوها ومحاولة جمعها في كيان متناسق وملء الفراغات، على جانب تعرفنا على الشخصيات الرئيسية في الحكاية.
الأحداث تتحرك بشيء من البطء لكن الوضع يتحسن عند منتصف القصة، بحيث يبدأ الظهور المعتاد للأسرار مع تعقد الأحداث وانطلاق تخمينات القارئ عن النهاية. لا أعدك بأفضل رواية بوليسية على الإطلاق، خاصة وأن الترجمة -كثيرة الأخطاء- تحول دون الاستمتاع بالنص في كثير من الأحيان. لكن الكاتبة تجيد نثر شخصياتها ووصفهم (أحيانًا مع بعض الاسترسال الزائد)، كما أن الرواية هي مدخل لعالم “كاميلا لاكبرغ” الذي يؤكد البعض أنه يستحق الملاحظة. أنا شخصيًّا سأعود إليها بلا شك.