وفقًا لسيجموند فرويد: تحليل شخصية سعيد مهران بطل رواية اللص والكلاب

شخصية سعيد مهران والأدب النفسي

قد يظن البعض للوهلة الأولى بأن هناك علم يسمى علم الأدب النفسي يتكون من علم النفس وعلم الأدب، ولكن لا. الأدب النفسي يعد نظرية من النظريات التي يستعملها الباحث في الأدب لإبراز الجوانب النفسية لشخصية من الشخصيات التي تمت كتابتها بواسطة الكاتب.

وتلك الدراسات النفسية المتخصصة في مجال الأدب لها دور فعال في تعميق الدلالات والأهداف المقصودة للكاتب، وتبرز للنقاد والمحللين التوغل في عوامل الكاتب وتفاصيل شخصيته الباطنة، لذلك تلك الدراسات تضيف للنص الروائي بشكلٍ كبير. 

وفي ضوء ذلك، قمت باختيار شخصية سعيد مهران في رواية اللص والكلاب التي كتبها نجيب محفوظ ليبرز بعضاً من واقعه الذي تغير كثيراً بعد الثورة. فنجد أن سعيد مهران يخرج من السجن ليتلقى أول صدمة وهي زوجته التي تزوجها عليش سدرة صبيه قبل دخوله السجن، وعندما يطلب رؤية ابنته يلقى جفاوة إنكارها له.


خيانة وإنكار بعد محبه وإخلاص كل هذا التغير وهو بالسجن. ذاك المشهد الذي شكل الرؤية الأولية للشخصية ودوافعها للانتقام. ثم يقرر الذهاب لصديقه “رؤوف علوان” الذي كان يسرق معه، فيجده هو الآخر قد تغير، فأصبح صاحب جريدة تسمى (الزهرة) تدافع عن سياسة الحكومة الجديدة وبفضلها استطاع أن يكون من رجال الدولة المعروفين والمقربين من السلطة.

هكذا تلقى سعيد مهران صدمته الأخرى التي حطمت آخر سطر في مبادئ “رؤوف علوان” التي كانت مبادئه هو الآخر. فكيف له أن يجد صديقة الذي كان يسرق معه، ويؤمن بنفس مبادئه الاشتراكية ودوافعه نحو السرقة، قد تحول وتغير وأصبح يمارس سلطاته ويُهيمن على أموال لا حق له فيها.

وهنا اكتملت ثنائية الخيانة والانتقام في شخصية البطل سعيد مهران، الذي تجرد من كل معاني الإنسانية حتى في محاولته الأولى التي أخفقها في قتل صديقه وأصابت الرصاصة البواب، لم يتوقف عن متابعة خططه للانتقام. فأصبح لديه ذلك المبدأ الأناني الميكافيلي الذي تبناه صديقه للوصول لهدفه، وهو الانتقام تحت أي ظرف ومهما كلفه الأمر حتى لو كانت أرواحاً بريئة.


الشخصية عند سيجموند فرويد

تتكون الشخصية عند سيجموند فرويد من ثلاثة نظم وهم: الهو- id، الأنا- Ego، الأنا العليا- Super ego والسلوك الفردي للشخصية هو نتيجة تفاعل تلك النظم مع بعضها البعض.

  • أولاً – الهو id: وهو القسم اللاشعوري في الجهاز النفسي الذي يعبر عن رغبتنا ودوافعنا تجاه الأشياء التي تحقق لنا لذة. فالهو هو المحرك الأول لدينا تجاه الأشياء التي في مخيلتنا أن تجلب لنا سعادة (طعام – شراب – جنس). فهي دائمة الوجود بداخل الإنسان وتحاول التعبير عن نفسها بشتى الطرق من بين هذه الوسائل الاشعورية الأحلام وفلتات اللسان والتعبير وغيرها.
  • ثانياً – الأنا Ego: هو الجزء المسؤول عن تنظيم عملية الرغبات تلك وفقاً للفرص والعقبات الموجودة بالعالم الحقيقي والأنا الأعلى. فهي في حالة من التفاوض الدائم مع الهو حول الفرص المتاحة وإمكانية تحقيق تلك الرغبات على أرض الواقع.
  • ثالثاً – الأنا العليا: هو النظام المعاكس للهو، فالأنا الأعلى هي التي تظهر لنا جانب الشخصية الاجتماعية، فهي تجسيد للقيم في المجتمع وتعاليم الطفولة والموروثات بشكل عام. وظيفتها الأساسية هو تحديد ما هو الصواب وما هو الخطأ، لكي يتمكن الشخص من التصرف وفقاً لمعايير المجتمع. حسناً يمكن أن نعتبرها الضمير والنظام الحاكم بين الهو والأنا.

تمتلك شخصية سعيد مهران تلك النظم الثلاثة، ونتيجة تفاعل تلك النظم في مختلف المواقف السلبية التي مر بها في الرواية من خيانة زوجته وصبيه أو إنكار ابنته له أو حتى مطارده الشرطة له؛ شعرت الأنا لديه بالإرهاق حيث التوتر والقلق الدائم الذي كان مُلازم له طوال الرواية.

فعندما لا تستطيع تحقيق الرغبات أو الأهداف التي تريدها؛ يصبح الواقع أكثر سوءاً ولا يوجد مفر من تقليل تلك الضغوطات سوى من خلال مجموعة من السلوكيات التي تعيد التوازن لدى الأنا، تلك السلوكيات التي نطلق عليها آليات الدفاع النفسي.

وفي رأيي الشخصي، عبقرية نجيب محفوظ في رسم شخصية سعيد مهران، تكمن في أنه رغم كل المطاردات والجو العام للرواية من توتر وقلق وعدم الراحة، لم يشعرك بذلك القلق أو التوتر في شخصية سعيد مهران نفسها، وكأنه يُخبر قارئه بأنه أمام مريض نفسي في المقام الأول وليس لصاً!