هل الأمومة تضحية دائمًا؟ كتب وروايات رصدت تجارب أمومة مختلفة تمامًا

هل الأم التي لا تضحي بالغالي والنفيس من أجل أبنائها لا تستحق لقب الأم، وهل هذه التضحية أصلًا من متطلبات الأمومة وأساسيتها أم يمكن الجمع بين أمومتها وبين الرغبات الشخصية وتحقيق أحلامها؟ غالبًا ما تتسم علاقة الأم بأبنائها بالتضحية في الكثير من الجوانب بدءًا بصحتها ووقتها وأحيانًا بطموحها وحياتها ذاتها، وهناك كتب وروايات عن الأمومة رصدت علاقة الأم بأبنائها من التضحيات التي لا جدال عليها. ولكن هل هذا هو الحال دائمًا؟

في الحقيقة فمشاعر الأمومة مثل أي شيء في الحياة متغيرة تمامًا ومتقلبة ولا تسير على نهج واحد دائمًا، لذا إذا كنت ترغب في المزيد من التعمق في تجارب أمومة مختلفة جمعنا لك بعضًا من أفضل الكتب والروايات عن الأمومة والمشاعر المتضاربة للأم في تجارب حياتية مختلفة عن السائد والمتعارف عليه.

كتب وروايات عن الأمومة رصدت علاقة الأم بأبنائهاكيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها – إيمان مرسال

عن الحيرة والقهر والعنف والشعور بالذنب والرغبة في التراجع كل وقت وغيرها من مشاعر تمثل موضوعًا مشتركًا بين معظم -إن لم يكن كل- الأمهات وفي الوقت نفسه لا تستطيع واحدة منهن أن تتحدث عن مشاعرها بصراحة أو حتى بالتلميح، حيث يكون الإرهاق من رعاية الأبناء “نكران للنعمة” ويكون اكتئاب ما بعد الولادة مجرّد “تدلل”.

تكشف إيمان مرسال في هذا الكتاب بصراحة شديدة عن الكثير من الجوانب التي تهم كل أم ولكن لا تجرؤ على الحديث عنها حتى بينها وبين نفسها وليس فقط مع والدتها أو زوجها.

فبدءًا من تصورها لوالدتها في تفاصيل طائر كانفاه من صنع يدها وربط الصورة الكلية للأم بتلك التفاصيل الدقيقة، وأنها ليس مجرد حمل أو ولادة على أهميتهما، ولكن تؤكد أن قيمة الأم الحقيقية تكمن في التفاصيل الكثيرة التي تمرّ في الحياة ولا يمكن رصدها في سطور.

كتاب كيف تلتئم عن الأمومة وأشباحها مريح للغاية لكل أم جديدة تشعر بالذنب وعدم القدرة على رعاية صغيرها ويطمئنها أن مشاعرها طبيعية وأنها لا تزال تستحق لقب الأم، كما أنه أيضًا جرس إنذار لكل أم تتذمر دون داعٍ من الخدمات التقليدية لأبنائها.

فتروي إيمان مرسال تجربتها مع طفلها المصاب بالاكتئاب والذي يحتاج إلى رعاية خاصة للغاية وكيف تتضارب مشاعرها من الإشفاق عليه إلى الرثاء لحالها، وهذا يدعو كل أم أن تحمد الله على نعمة الأطفال الأصحاء حتى إذا كانت رعايتهم مرهقة، وفي الوقت نفسه لا تشعر أنها غريبة الأطوار من مجرد الشكوى.

حليب أسود – إليف شفق

من أكثر المخاوف التي تنتاب المرأة في العصر الحديث هو التخلي عن حلمها وعملها بسبب تربية الأطفال، وهو السبب الذي جعل نسبة لا يُستهان بها من النساء إما أن تعزف عن فكرة الزواج عمومًا أو تتخذ قرار تأجيل الإنجاب سنوات عدة بعد أن كان من أهداف أي امرأة أن تتزوج وتُنجب، وبعد أن كان الرجل هو الذي يؤجل هذا القرار لسنوات.

ترصد إليف شفق في كتاب حليب أسود تجربتها بجرأة كبيرة مع اكتئاب ما بعد ولادة ابنتها الأولى في حليب أسود، وكيف تغيّر موقفها من رفض للزواج والإنجاب إلى رعب شديد من عدم قدرتها على توفير الرعاية التي تستحقها الصغيرة، وكيف أن حياتها العملية وعشق الكتابة يمكن أن تنهار تمامًا نتيجة هذه الرعاية.

الرواية رصد واقعي لحالة التخبط التي تعاني منها الكثير من النساء بين الرغبة في الاستقلال عن الرجل وتحقيق ذاتها في عمل تحبه، وبين أمومتها الغريزية التي لا فكاك منها مهما تقلدت من مناصب، فهناك الكثير من التجارب الحقيقية لنساء وصلن إلى أعلى مراتب النجاح العملي ولكن ظلت أرواحهن تفتقد لمشاعر الأمومة وظل أي تعليق عن عدم إنجابهن يُثير الضيق رغم تظاهرهن بالعكس.

حكاية الجارية – مارجريت أتوود

عندما تكون الأمومة هي المنفذ الوحيد من مصير بشع يتمثل في العمل وسط النفايات الإشعاعية داخل مستعمرات غير آدمية، فإن الأمر يتحوّل من مجرّد غريزة إلى مسألة حياة أو موت، وفي هذا الإطار تدور رواية حكاية الجارية للكاتبة الكندية مارجريت أتوود.

ففي زمن مستقبلي وبعد ثورة دينية متشددة يتم تحريم القراءة على النساء وتتراجع بشدة نسبة المواليد نتيجة التلوث الإشعاعي وتصير قيمة المرأة فقط في قدرتها على الإنجاب، فتدور الرواية حول الجارية أوفرد التي تعمل في منزل رئيس غامض وله زوجة قاسية ذات طباع حادة وفي إطار استعادة ذكرياتها مع زوجها وطفلها تنتظر أوفرد اليوم الذي ستصير فيه حاملًا من رئيسها.

ورغم أن الأحداث تدور بشكل تخيلي في المستقبل إلا أنها تتلامس مع الواقع بشكل كبير، حيث أن الأمومة بالفعل قد تمثل للكثير من النساء طوق النجاة من تحكمات المجتمع، فتنقلها من خانة أنثى ليس لها رأي ولا إرادة وكل مهمتها في الحياة هي إسعاد زوجها والعناية به، إلى خانة “الأم” بكل ما تحمله من قدسية ومشاعر وقيمة لأنها الأصل، لذا تكون صدمة المرأة كبيرة مع كمّ الواجبات التي تُلقى عليها ولا تتمكّن من الشكوى لأنها تُدرك أن البديل هو النبذ والسقوط مرة أخرى في خانة “العورة”.

حققت رواية حكاية الجارية نجاحًا كبيرًا وكانت من الأكثر قراءة في عام 2019، وصدرت لها تكملة ممثلة في رواية “الوصايا” التي حصدت الكاتبة مارغريت آتوود بسببها جائزة البوكر البريطانية عام 2019.

باولا – إيزابيل الليندي

فقد الابن من التجارب شديدة القسوة التي يمكن أن يتعرَّض لها الأبوين عمومًا والأم خصوصًا، وبين مشاعر الأمل والألم والترقب تروي إيزابيل الليندي رحلتها في متابعة ابنتها ذات الـ 28 ربيعًا، والتي سقطت طريحة الفراش نتيجة مرض مُعدٍ نجت منه بقية الأسرة.

كتبت في البداية رسالة لابنتها باولا فاقدة الوعي تذكر فيها الأحداث التي مرّت عليها منذ سقوطها لعلّها تقرأها عندما تعود من جديد، ولكن بعد هذا تحولّت الرواية إلى رصد لأخطاء إيزابيل الليندي سواء في الحياة أو مع ابنتها أو حتى في تجربتها خلال الكفاح الثوري في تشيلي.

رواية باولا ملهمة للغاية وتتعمق في مشاعر أمومة حائرة ثم محاولات الاستشفاء من تجربة الفقد المريرة مع الكثير من الجرأة في رواية الأحداث ووصف المواقف التي مرّت بها سواء مع ابنتها أو خلال كفاحها، وهل فعلًا تجربة فقد الأبناء مؤلمة للجميع بدرجة متساوية أم أن إيجاد هدف آخر في الحياة يمكن أن يكون منفذًا للراحة؟

الأم الشريرة – تيلي وكيهو

وهي من الصور شديدة التطرف للأم التي تتخلى عن طفلها وأسرتها لرغبتها في السُلطة، والتي تفشل في الحصول عليها أيضًا لتخسر بذلك كل شيء، وحتى في محاولتها لعودتها لابنها لم يكن ذلك نتيجة اشتياق ولكن حتى لا تكون خسرت كل شيء.

تم نشر رواية الأم الشريرة على موقع Wattpad وحققت انتشارًا جيدًا، وهي من نوعية أدب المانجا، وفي الحقيقة أراها تُعبِّر بصورة رمزية فجّة عن عدم قدرة المرأة على تحقيق التوازن بين طموحها وبين رعايتها لأسرتها وأن عليها أن تختار بينهما، وأن اهتمامها بطرف منهما يعني تخليها أو إهمالها  للطرف الآخر وتؤكد أن الطفل والأسرة هم الأكثر بقاءً في النهاية.

وفي الواقع الأمر جدلي إلى حد كبير فسنجد فعليًا آلاف العاملات القادرات على رعاية البيت والأطفال في الوقت ذاته، وفي المقابل نجد نساء غير عاملات ومهملات في المنزل وفي الرعاية نتيجة الملل وعدم تقدير دورها كأم وزوجة، بالإضافة إلى التحكم المادي من الرجل والذي يهددها دائمًا بالطرد من جنته إذا لم تكن خاضعة بالكامل له.

الرواية نقد شديد القسوة لأي امرأة تُفكر في اختيار طموحها على حساب الأسرة والأطفال، وفي حين أنه من المسموح للرجل تمامًا أن يتفرّغ للعمل سواء بحجّة أنه مكلَّف بالإنفاق أو لأن هذا دوره في الحياة، فإن المرأة تواجه تحديات لا نهائية إذا فكرت في السعي وراء حلمها إذا كان يختلف عن أن تكون زوجة وأم.

العسل المر – يوسف عز الدين عيسى

عندما تُخطئ الأم في قرارات مصيرية تتعلق بابنتها فإن النتيجة المأساوية تطولها في النهاية بأبشع الصور، أعتبر رواية العسل المر من النماذج الصادمة على مقولة “من الحب ما قتل” وصحيح أن الرواية تحوّلت إلى فيلم ولكنه في الحقيقة لم يتمكّن من نقل كل التجربة وتفاصيلها بشكل واضح.

فالشقاء الذي تتعرّض له منيرة على يد أبيها ورؤيته يوميًا وهو يضرب والدتها يؤدي إلى عقدة كراهية شديدة للرجال وتزيد هذه العقدة مع اكتشافها أن الرجل الوحيد الذي تحبه لا ينظر إليها إلا كوسيلة للمتعة.

وفي رواية العسل المر للكاتب يوسف عز الدين عيسى نجد أن منيرة تهرب بابنتها سوسن وتمنعها من رؤية أي رجل على الإطلاق ووتعيش معها داخل قصر منعزل يُحيط به سور، وتنشأ الفتاة ولديها تصوُّر أن الرجال كائنات مخيفة لا يمكن الاقتراب منها، حتى ينقلب حالها وتتعرف على هشام الذي ينفذ إليها من ثغرة في السور، وتبدأ الفتاة في اكتشاف أكاذيب والدتها واحدة تلو الأخرى.

رغبة الأم في الحماية الشديدة لابنتها لم تؤدي إلا إلى عذابهما معًا، وهذا كثيرًا ما يحدث في العالم الواقعي مما يؤدي إلى صراع شديد بين الأم وابنتها أو أبنائها يتمرَّد فيه الأبناء وتجني الأم ثمار خوفها الشديد على هيئة ندم وعذاب.