مقتطفات من كتاب لأنك الله _3

الوكيل:

هل تشعر بضعفك؟ وبأن الدنيا بتفاصيلها أكبر منك، وبأنك ريشة في مهب ريح الحياة الصاخبة؟

هل لديك أشياء تخشى عليها، وتريد جمعها في عهدة من لا تضيع لديه الأشياء؟ سواء كانت هذه الأشياء: أبناء أو مالاً أو صحة أو حياة؟

إذاً فاتخذه وكيلاً..

ابدأ بالتعرف من جديد على هذا الاسم الجليل، غص في أغوار معانيه، أرح نفسك من ضعفها، وقلقها واستيحاشها بأن تجعلها تتفيأ ظلال الوكيل.

فهو الذي لا ينبغي أن تتوكل إلا عليه، ولا تلجئ ظهرك إلا إليه، ولا أن تضع ثقتك إلا فيه، ولا أن تعلق آمالك إلا به.

أي عمل تتوكل على فيه انسه تماماً، لأنك إن توكلت على الله فهذا يعني أنك وضعت ثقتك في إتمام هذا العمل بمن يملك الأمور كلها، ومن يجير ولا يجار عليه.

يقول سبحانه: رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا

يأمرك رب المشرق والمغرب أن تتخذه وكيلا، ماذا بعد هذا من راحة وعز وشموخ وضمان للتوفيق؟

فقط يريدك أن تقول بقلبك: أنت وكيلي يا الله!

التوكل يقين قلبي، يحيلك إلى سائر تحت مظلمة عظيمة تقيك من حر الهموم، ومطر المكائد، ورياح الدنيا المقلقة.. المحروم وحده هو من لا يقدّر هذه المظلة ومن لا يحاول السير تحتها.

ما هو الأمر الكبير والكرب الشديد والهم العظيم الذي سيستعصي على رب العزة؟ العزة نفسها هو ربها، كل عزة سمعت بها أو علمتها هو ربها، فكيف يمكن لكروبك أن تصمد أمام إرادة رب العزة والكبرياء والعظمة؟

وأعظم ما تتوكل على الله فيه هو عبادته، أن تتخلى وتتبرأ من حولك وقوتك وتقول بقلبك قبل لسانك:

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ

لا يتصور أن يأمرك الله أن تعبده، ويأمرك أن تتوكل عليه، فتتوكل عليه في أمر العبادة فيخذلك، فقط أكثِر من الكلمات النبوية الكريمة:

اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

قال ابن القيم:

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: تأملك أنفع الدعاء فإذا هو سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في إياك نعبد وإياك نستعين.

ثم يقول: القلب يعرض له مرضان عظيمان إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التلف ولا بد وهما الرياء والكبر، فدواء الرياء بإياك نعبد، ودواء الكبر بإياك نستعين.

أرأيت الصلاة التي فرغت للتو من أدائها، لو لم يعتك الله عليها لما أديتها.

هو رحيم، فقط أنزل حوائجك ببابه، فقط اجعل قلبك منكسراً وكأنه مُخبت تحت العرش، ولو لم تدعه، الرحيم سبحانه يريد هذه الحالة الخاشعة منك، وبعدها ثق بأنه سيقضي حوائجك، ويرفع مرضك، ويخلق الابتسامة على ثغرك.

الله سيحول جميع مشاكلك إلى حلول، وكل آلامك إلى عافية، وكل أحلامك إلى واقع، وكل دموعك إلى ابتسامات..

حتى لو مت، فالحي الذي لا يموت، سيعيد حقك لأبنائك من بعدك، لا تنشغل في لحظة وجعك وغمرة آهاتك بأبنائك من بعدك، فالحي الذي تموت أنت ولا يموت هو سيكون لهم، سيكون معهم، سيرأف بحالهم، سيسعدهم، سيجعل حياتهم أفضل منها وأنت معهم، لأنه الحي الذي لا يموت.

حتى لو يظلمك أحد، توكل عليه!

كم رأيت أبناء تربوا في المساجد ثم ألحدوا، والعياذ بالله؟

وأبناء صرف عليهم الآباء المال والرعاية ثم ضاعوا!

الله وحده يعلم مكان الهداية في قلبك ابنك، ادعه أن يملأه إيماناً، توكل عليه، قل له بخضوع: يا رب، هذا ابني، وأنت ربي وربه، فاهده إليك ودله عليك وأعني على تربيته..

يا رب أنا لن أحسن أن آمره بالصلاة ما لم تعنّي.. وهو لن يحسن أن يصلي ما لم تعنه.

فأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا الله.

توكل عليه في سعادة حياتك، فالحياة جحيم بلا الله!

دعك م حاجاتك وأحلامك وهمومك، دعنا نتخيل أنك إنسان بلا حاجات وبلا أحلام وبلا هموم وبلا أمراض، أنت تحتاج أن تتوكل عليه ليحبك؟

ألست تريده أن يحبك؟

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ

إن هذا المعنى لا يمكن لمن لديه أدنى رهافة أن يمر عليه دون أن يخفق فؤاده حنيناً وشوقاً، الله الذي لا إله إلا هو يحبك، هذا سبب كاف جداً أن تسعى إلى التعلق به، وأن تتوكل عليه.

يأتي بعض الناس ليثبطوك، ليهزوا يقينك الداخلي، ليأمروك أن تخشى.. أن تخاف.. أن تغير موقفك أو تحرف وجهة مبادئك، في تلك اللحظة اغسل قلبك بالإيمان وقل:

حسبي الله ونعم الوكيل، لحظتها ستنقلب بنعمه من الله وفضل، ولن يمسك سوء! اقرأ بتدبر:

الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ - فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ

وإذا توكلت على الله فلا تعتقد أن المسألة تتعلق بأنك لم تجد غيره لتتوكل عليه، لا أبداً، أنت تتوكل على أعظم ما يمكن أن يتوكل عليه مخلوق.

أتدري لماذا يكفي أن تتوكل على الله؟ هناك سببٌ مقنع جداً، هو كونه يملك السماوات والأرض:

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا

هذا المرض الذي هدك ولم تجد علاجه، أليس في الأرض؟ إذن هو ملك لله، وهو القادر على أن يأمره أن يغادر جسدك!

فلا تتخذ وكيلاً غيره، واحذر أن تلتجئ إلى سواه، سوف يصيبك الوهن، ويتعلق قلبك بشُعب الدنيا، فلا تتكل على غيره وهو الحي، ولا تلتجئ إلى غيره وهو المُقيت.

الحياة مزرعة مليئة بالأمراض والأتعاب والأشباح والخطط والمؤامرات، وبدون رعاية الله ستبتلعك هذه الأفاعي!!

هو حسبك وكافيك ورادّ السوء عنك.. أنت إن لم تحطك رعاية الله من كل جانب هلكت!

وإذا نمت ألجئ ظهرك إليه وفوض أمرك إليه رغبة ورهبة إليه، في كل حين وكل لحظة تذكر: هناك رب أمرك أن تتوكل عليه، وأنت تحتاجه، لا تفرط في هذه الفرصة.

قل: يا الله توكلت عليك..

هل قلتها بقلبك؟ الآن ابتسم، كل تلك الأفاعي انتهت!

اللهم اجعلنا متوكلين عليك، ملتجئين إليك، اغمرنا بالإيمان بك، واجعل هذا الإيمان يغسلنا من التعلق بكل ما هو دونك يا رب.

الشكور:

عش مع الشكور، تأمل ظلال هذا الاسم العظيم، امسح تجعدات الحياة المتعبة بمعاني هذا الاسم الجليل.

سبحانه يشكر عبده على ما قدم من عمل صالح، وهو سبحانه يأمرك بهذا العمل الصالح الذي فيه صلاح دنياك وآخرتك، فإذا عملته، يكون سبحانه المستحق لشكرك، لأنه يسره لك، وأصلح حالك به، ولكنه بكرمه هو من يشكرك عليه!

فهل في الكرم مثل هذا؟ وهل في الجود قريب من هذا؟ كيفك يشكرك؟

هذا سؤال تفنى الأعمار دون الإجابة عنه!

تعمل عملاً صالحاً يستحق أجراً مثله، فيأجرك الله مثله سبعمئة مرة، ويضاعف لمن يشاء!

مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ

سبحانه إذا أعطاك أدهشك، وإذا أكرمك أذهلك.. ومن ذا الذي لم يعطه العظيم ويكرمه الكريم؟ نحن في كل لحظة من حياتنا بل في كل جزء من اللحظة نستقبل ما لا يمكن إحصاؤه من العطايا والهبات!

فالصحابة الذين بذلوا أرواحهم وأعمارهم وأموالهم نصرة للدين شكرهم الله بأن جعل الكلام فيهم من علامات النفاق، ورضي عنهم وضاعف أجر أعمالهم، وعدّلهم جميعاً بلا استثناء، وجعلهم خير القرون وقال فيهم:

لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ

وكل هذا شيء من شكر الله لما قاموا به من تصديق وجهاد وبذل.

فكما يشكر الكريم من عمل معروفاً، فكذلك سبحانه وله المثل الأعلى يشكر شكراً يليق بكرمه وعزته وعظمته، فهو لا يشكر الأعمال العظيمة فقط بل حتى مثقال الذرة منك يشكره وينميه:

فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ

فقد أدخل امرأة الجنة بشق تمرة، وبغياً بأن سقت كلباً، وثالثاً كل حياته ذنوب فأمر أبناءه أن يحرقوه ويذروه بعد موته خوفاً من أن يعذبه الله، فأدخله الجنة بأن خاف منه، ورابعاً ليس له إلا حسنة واحدة لأنه تصدق بها على صاحبه، وخامساً قتل مئة نفس! لأنه هاجر إليه..

ومن شكره أن يعجل بثواب المتصدق، فيرزقه بركه ويغدق عليه من نعمه، ويخبرنا عليه الصلاة والسلام:

إن الله يقبل صدقة عبده بيمينه ويربيها كما يربي أحدكم فلوه.

وهذا من شكره وفرحه سبحانه بطاعة عبده!

إني أعيذك أن تكون تعلقاتك وإراداتك كلها دنيوية، فكثير من الجزاء يدخره الله لك أحوج ما تكون إليه في الآخرة.

ومن أوضح صور الشكر الرباني هو ما اقترن ببر الوالدين من تيسير في العيش والتوفيق في جميع الشؤون، حتى كأن النجاح في الحياة حصر على أصحاب البر، يمكنك أن تستعرض من تعرفهم من الناجحين، ستجد بر الوالدين جامعاً مشتركاً بينهم، ولا بد!

أما إن سألت عن أعظم خير يمكنك فعله، فهو أن تسلم وجهك لله، أن تحيا مسلماً، وتعبد الله مسلماً، وتعامل الناس مسلماً، وتنظر وتتكلم وتشعر مسلماً، ثم تموت مسلماً!

سئل الإمام أحمد: من مات على الإسلام والسنة مات على خير؟

فقال له: اسكت، بل مات على الخير كله!

قيل لأعرابي: إنك تموت! فقال ثم إلى أين؟ قيل إلى الله! فقال: كيف أكره أن أقدِم على الذي لم أر الخير إلا منه؟

شعور عظيم ورجاء بالله كبير ذلك الذي يملأ فؤاد هذا الأعرابي، يقره عليه القرآن الكريم:

وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ

تعبده ستين أو سبعين سنة، أكثرها دون التكليف أو نوم أو في عمل المباحات، ومع ذلك يكافئك عنها بجنة عرضها السماوات والأرض، تسكنها الأبد كله!

فإن كان سبحانه يعطي لا على شيء، فكيف إذا كان هناك شيء؟ كيف إذا فرقت بينك وبين عباده الذين يرزقهم ويتحبب إليهم بالنعم بأن عملت صالحاً يرضاه، عند ذلك لا يجوز لك أن تعتقد أن لن يكرمك الكريم ويشكرك الشكور ويحمدك الحميد سبحانه.

يبذل عيسى عليه السلام عمره له سبحانه، منذ أن نطق كلمته الأولى في المهد وهو عبدٌ لله، فيتآمر ضده شرار بني إسرائيل ليقتلوه، فيكون شكره له سبحانه من أغرب الشكر، رفعه إليه!

هكذا انتشله من بؤرة الهم والمكائد والقلق، وجعله في سماواته يعيش مع ملائكته وخيار خلقه.

والله هو القادر على انتشالك مما أنت فيه، أعلم جيداً أن لديك من الهموم والكروب ما لا يتناسب مع النجاة منها إلا لفظة "انتشال"، اعمل الخير لينتشلك الله به، كما كان تسبيح يونس سبب انتشاله من بطن الحوت.

إنك تتاجر مع ذي الكرم المتناهي وذي الشكر المتناهي وذي الفضل المتناهي.

ليست هنالك احتمالية خسارة في سوق الله من يسير أمرها، فكن معه ثم ارقب أفضاله وشكره.. لن يتركك، ثق بذلك، لن تسجد لله سجدة إلا ويشكرك عليها شكراً يليق به وبكرمه، فقط كن معه.

اللهم أوزعنا أن نشكر نعمك.. واجعلنا لك ذاكرين، ولنعمك شاكرين، واهدنا لأعمال تجزل لنا عليها الشكر يا شكور يا حميد.

كتب PDF ، كتب و روايات PDF ، أفضل تجميعات الكتب، كتب عالمية مترجمة ، أحدث الروايات و الكتب العربية ،أفضل ترشيحات الكتب و الروايات ،كتب دينية، كتاب لأنك الله .