يعتبر كتاب “مذكرات صائم” للكاتب الصحفي “أحمد بهجت” بالفعل من ألطف الكتب التي يمكن أن تُقرأ في شهر رمضان، ليس لأنه متعلق بخواطر الكاتب أثناء شهر رمضان الفضيل فقط، ولكن لعدة عوامل مختلفة منها أنه من نوعية الكتب الخفيفة التي لا تحتاج إلى جهد خاص أو وقت معين لقرأتها وغيرها من العوامل التي سنتحدث عنها لاحقاً.
سَلّي صيامك مع كتاب مذكرات صائم
منذ طفولتي وأكثر ما يلفت انتباهي في شهر رمضان وأغلب المناسبات الدينية الأخرى هي لحظات التوحد التي تجمع أغلب الناس.
فمثلاً الجميع يتناول طعامه في وقت واحد ويتوقف عن تناوله لعدد محدد من الساعات في وقت واحد، طبعاً مع الأخذ في الاعتبار فروق التوقيت المتعارف عليها بين الدول.
وأنا صغيرة كنت أتعمد الوقوف في الشرفة قبل أذان المغرب بلحظات لأشاهد فوانيس الجيران من الشرف المجاورة وأقوم بعدّ كم فانوس أضاء في نفس الوقت!.
أحياناً يعتبر البعض شهر رمضان فرصة لبداية العام من جديد، فيبدأ في تصنيف أحداث حياته إلى ما بعد شهر رمضان وما قبله! والحقيقة أنني لم أكن أبداً من أصحاب تحديد قوائم معينة للقراءة أو حتى للأهداف خلال شهر رمضان.
وكما هي العادة عند الحديث عن كتاب معين يجب في البداية أن نتحدث قليلاً عن مؤلفه، فمن هو الكاتب الصحفي “أحمد بهجت”؟
أحمد بهجت
“أحمد شفيق بهجت” كاتب وصحفي وأديب مصري مشهور، من مواليد القاهرة عام 1932، على الرغم من دراسته للحقوق إلا أنه احترف العمل الصحفي فعمل في أكثر الصحف المصرية شهرة مثل الأهرام التي وصل فيها إلى منصب نائب رئيس التحرير عام 1982. كما شغل منصب رئيس تحرير مجلة الأذاعة والتلفزيون عام 1976. كما عمل صحفياً في جريدة أخبار اليوم المصرية ومجلة صباح الخير.
نال أكثر شهرته بسبب عمود “صندوق الدنيا” الذي كان يكتبه في جريدة الأهرام، والذي قال عنه كتاب مشاهير أنه ساهم في تشكيل وعيهم الأدبي، لأنه كان يستطيع الأمساك بتفاصيل فكرته وتقديمها بشكل كامل إلى القارئ في أقل عدد ممكن من السطور مع إمكانيات القصة الواضحة.
يبلغ عدد مؤلفاته حوالي الـ 22 كتاباً، من أشهرها: “مذكرات زوج”، “مذكرات صائم”، “أنبياء الله” الذي بلغ عدد طباعته عن دار الشروق حوالي 36 طبعة.
ولا يمكن أن نغفل أن “أحمد بهجت” كان هو معدّ و مؤلف البرنامج الأذاعي الشهير “كلمتين وبس” الذي كان يقدمه الفنان “فؤاد المهندس” وتم بثه على إذاعة البرنامج العام من القاهرة على مدى 30 سنة كاملة.
توفي “أحمد بهجت” في الحادي عشر من ديسمبر عام 2011 بعد صراع طويل من المرض، تاركاً خلفه إرثاً صحفياً وأدبياً أغنى جيل كامل من الأدباء ومتذوقي الأدب.
مذكرات صائم تصلح في كل الأوقات!
الكتاب هو مجموعة من الخواطر التي مر بها الكاتب وهو صائم في رمضان من رؤية الهلال ومدفع السحور وليلة القدر مكتوبة في أسلوب قصصي لطيف ينسج فيه الكاتب بعض من المواقف والذكريات الشخصية مع بعض العادات الاجتماعية.
صدر الكتاب لأول مرة عن دار الشروق عام 1990، ويبلغ عدد صفحاته 224 صفحة، أي أنه قصير نوعاً ما ومن الكتب التي يمكن أن تصنف تحت قائمة كتب اليوم الواحد.
أحس في الليلة الأولى من شهر رمضان أنني أرى من خلال النفس كل نفوس الآخرين في الوجود.. وينمو داخلي الحنين فأود أن أعثر على النملة التي كلمت سيدنا سليمان لأقبّلها.. وأتمنَّى أن ألقى الحوت الذي ابتلع يونس لأربت على رأسه.. وأحلم أن أجد الحمار الذي بعث أمام عُزَير لأحمله على ظهري.. وأفكِّر عبثاً في قبر الهدهد الذي حمل الرسالة لبلقيس وعاد ليحكي لسيدنا سليمان عن عبادتها للشمس… أين يقع قبر هذا الهدهد.. أي روعة أن يبعث الهدهد لنتحدث قليلاً عن عبادة الشمس!
في بدايات شهر رمضان أحس نحو الكائنات، كل الكائنات، بالحب.. وأحس بالرفق والضعف إزاء قصص الحب الإنسانية والحيوانية والنباتية والجمادية.. ويملأني إدراك للعلاقة بين تنهد القمر ومدّ البحر وجَزره.
كما أفهم سر الهوى المتبادل بين زهرة عبّاد الشمس التي تحول وجهها نحو أمّها. حتى يجيء الليل فتنكس عنقها وتنام.
هكذا تحدث “أحمد بهجت” عن إحساسه ومشاعره التي يغلفها الحنين في بداية شهر رمضان، الحنين إلى البدايات ودفئها، شعوره بالحب والسلام وقد غمر كل شيء، وأن كل ما أفسده الناس بالكراهية والرحيل والغدر من الممكن أن يتم إصلاحه في شهر رمضان لينتهي الشهر وكأننا ولدنا من جديد لتونا.
“إذا تعلق الأمر بذنوبنا، أقسمنا أن الله غفور رحيم.. وإذا تعلق الأمر بذنوب الأخرين تجاهنا، أكدنا أن الله شديد العقاب.”
على الرغم مما تبدو عليه هذه الاقتباسات من شفافية عالية فهذا لا يمنع الخط الساخر الذي يتداخل مع أسلوب الكاتب في الكثير من المواقف منتقداً به الكثير من العادات الاجتماعية والسلوكيات المبالغ بها في هذا الشهر.
سلبيات الكتاب:
يمكننا ببساطة أن نقوم بتقسيم كتاب “مذكرات صائم” إلى قسمين. القسم الأول وهو الذي نال على استحسان وقبول أغلب القراء، وهو الخاص بخواطر الكاتب القصصية المتعلقة بشهر رمضان المبارك. حتى أنه يمكننا أن نراهن بلا مبالغة أن أغلب من سيقرأ الكتاب سينتهي من هذا الجزء في جلسة واحدة وسيكون مستمتعاً بما يقرأ لأقصى درجة. حتى يصل إلى القسم الثاني من الكتاب الذي سيختلف فيه موضوع الكتاب كلياً من “مذكرات صائم” ليصبح رحلة روحية في عالم التصوف وتاريخ الصوفية، مما سيصيب بعض القراء بالحيرة وعدم فهم سبب هذه النقله المفاجئة في نمط الكتاب.
لكن على الجانب الآخر وكما هي طبيعة الحياة أحب البعض هذا الجزء الروحي من الكتاب واندمج فيه وفتح أمامه المجال ليقرأ بعض الشيء عن الصوفية وتاريخها.
“كل واحد منا قارة مجهولة تماماً، وداخله أعماق لا تدري أبداً متى تنتهي.. كل إنسان منا بلا نهاية كالكون”
“أن نصوم عن ميلنا للأشياء.. أن نتجرّد عنها وننخلع منها ونفطر على ذكر الله وحده“
في النهاية لا يسعنا القول إلا أن الكتاب بصفحاته القليلة كماً الكثيرة كيفاً وموضوعاً سيدخل بكم إلى عالم وذكرياته في الشهر الفضيل وستدهشكم كيفية تحويل التفاصيل التي نراها دوماً بسيطة ولا نتوقف عندها كثيراً إلى قصص تمس نفوسنا وتتنفس وتنبض بالحياة.
كتب PDF ، كتب و روايات PDF ، أفضل تجميعات الكتب، كتب عالمية مترجمة ، أحدث الروايات و الكتب العربية ،أفضل ترشيحات الكتب و الروايات، روايات و كتب عالمية مترجمة.