في المشمش ...

مجادلات امام الأضواء ، أم خلف الكواليس في مسرح الحياة ، أيا ما كان المكان أو الزمان أو المناسبة ، سواء أكانت في العالم الواقعي كالندوات، المناظرات ، مناقشات العمل ، بين الأصدقاء ،  في الشارع  أو حتى بين جدران البيوت داخل  كيان الأسرة الواحدة 
أو في العالم الافتراضي على صفحات الانترنت
باختلاف الأعمار و الأجيال و التجارب و الخبرات
ما بين القيل و القال و كثرة السؤال
ما بين الصواب و الخطأ و المنطقة الرمادية بينهما
ما بين الواقعية و الموضوعية و الخلط بين ما نريد  أن نقوله و ما يجب أن يقال

أصبحنا نعاني من متلازمة :- "الفقاعات الهوائية "
و بصراحة ، هي فقاعات و ظواهر صوتية تعتمد في قوتها على تعظيم الذات و إنكار كل الوجود حولها ، فيصبح كل رأي -ما عدا رأيها-  هو رأي "في المشمش"
إيمانا بأن الكون لابد و أن يسير على هواها و يتعبد في محرابها و يدور في فلكها
و في بعض الأحيان ، قد تصل إلى حد الرغبة الملحة الوهمية في إيقاف آلة الزمن على حد أفكارها
و التي تصر بفرضها بصورة غير لائقة على كل المحيطين من أجل  - فقط - البقاء و الظهور ، حتى و إن كان بقاءً هشاً ليس له أساساً من الصحة !!!

و من هذا المنطلق عزيزي القارئ في عام ٢٠٢٣ !!
دعني أسألك سؤالا ، و في الحقيقة هو ليس بجديد بقدر ما احتارت فيه الأجيال  حتى هذه اللحظة الحالية التي أسألك فيها الآن رغم كل ما شاهدناه من تقدم حضاري :-  ترى من يحكم الرأي و الرأي الآخر ؟!!!
و هل لابد - فيما عدا الثوابت-  من وجود رأي صائب و رأي خاطئ أم يوجد خيار ثالث و هو رأي صائب يحتمل الخطأ أو رأي خطأ يحتمل الصواب ؟!
و أن هدف طرح الآراء في النهاية هو الوصول لحالة من التوازن المجتمعي و التكامل بين الفكريين المتناظرين  لا التصارع في حلبة المصارعة الفكرية  التي لابد أن ينتصر فيها أحد طرفي الصراع بالضربة القاضية !!

# ثانيا) :- لما لم نصل بعد حتى هذه اللحظة إلى مرحلة النضج الفكري الممتزج بالعاطفة الراشدة التي تعمل على بناء جسر التواصل المشترك بين الأجيال باختلاف أعمارها و تأسيس التوازن بين النمو العقلي و التقدم العمري ؟!!

فمعذرة ،،، نحن حتى الآن لم نستطع الفصل بين *فكرة احترام الكبير و استيعاب خبرته و نصجه
*و بين احترام الصغير و استيعاب نبوغه و حماسه
*و بين ما يتعلق بمقولة " العمر مجرد رقم " و أن نبوغ الإنسان ليس شرطا أن يرتبط بعمره  و في نفس الوقت هذا النبوغ لابد و أن يصقل بنضج و خبرة و تجربة من سبقه في معركة الحياة ..
فليس كل كبير حكيم و ليس كل صغير جاهل و العكس صحيح ..

ثالثا :- كيفية التوجيه و النصيحة ؟!!
فالجميع قد تربى على مبدأ احترام الكبير - و هذا واجب و فرض عين- مقدس في جميع الأديان

و لكن ،، هل قد نشأنا أبناءنا على ضرورة احترام الصغير ؟!!

أينعم ،، و اقصد أن يتم احترامه عن طريق استيعابه و الإنصات لأفكاره و لم لا ؟!! فربما يخرج من فم الصغير -بمشيئة الله- حكم كبيرة ،
عدم ممارسة السلطة القاسية عليه ، تقبله ، تنمية مواهبه ، تشجيعه و تطويره ، عدم السخرية من أفكاره لمجرد كونه من جيلا أصغر و هكذا ،،،

#رابعا) :- كيف يمكن أن تتوقع استجابة الطرف الآخر لنصيحتك و أنت تتبع أسلوبا غير حضاري و قد صادرت به على فكرته مقدما و لم تعطه فرصه !
و أن تتخلى عن البدء بنفسك لتصبح قدوة فتلقي بنصيحتك صدى داخل عقله ووجدانه ..

فالاقناع يعتمد بشدة على المجادلة بالتي هي أحسن و الشجاعة في المناقشة حتى النهاية بأسلوب محترم ليخدم الشخص و أفكاره بعد التأني في دراسة الصورة الكاملة ، المتجددة المتغيرة بين الحين و الآخر و بناء أواصل من المرونة و الرزانة في تقبل الرأي و الرأي الآخر و عدم التسرع في إصدار الأحكام مع دحض مبدأ :- " الانطباع الأول يدوم " .

#٥)  الشجاعة :- على صاحب الرأي أن يفطن **للشعرة الفارقة بين الشجاعة و الوقاحة و جرح المشاعر و الاحترام
** بين مواجهة صاحب القضية و بين طعنه في ظهره
**بين الأخذ بيده و عرقلته بل و منعه من السير أساسا !!

**بين مساعدته على قطف الثمار و بين ضرب هذه الثمار بالأحجار حتى تتناثر على الأرض ليأكل منها الطير و الحشرات

فالفرد هو لبنة المجتمع ، يجب أن نقويها في حالة ضعفها و  أن نسلط عليها الضوء في حالة قوتها ،  فنفخر به و نستمر في تطويرها حتى تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها

و إن كنت على حق ، فلابد أن تواجه للنهاية بأسلوب يحترم جميع الأطراف بهدف إيصال فكرة تحترم عقول الأجيال لبناء مجتمعات سوية.    

#٦) يجب الفصل في الحكم على الآخرين بين اتباع  آفة الهوى  و المزاج النفسي و الخلافات الشخصية و بين المصلحة العامة للمجتمع
لأنه في حال الخلط بين الأمور ، ينهمك كلا الطرفين في مهاجمة شخص الآخر أو الدفاع عن نفسه و تتوه الفكرة الأساسية ، و يصبح رأيه مجرد رأيا عنصريا يعمل كسلاح يهدف إلى الفتك بالآخر و الانتقام لذاته العليا و أنانيته الهشة !!!

#٧)  ليعلم كلا الطرفين أن حريته تنتهي عند حدود احترام الآخر و تقديره

#٨) افتقارنا للغة الحوار :- و حتى من يعلمها لا يجيد إدارتها و من يجيدها لم يعد يمارسها عن قناعة بشكل منتظم ، فقد اعتاد الناس أن للحوار طرفي صراع و لابد من منتصر إما بفرض الرأي أو الهجوم على الآخر أو بصنع نصرا مزيفا لنفسه بإلقائه لقذائقه ثم الهروب من المواجهة إيمانا منه بأنه قد أدوى صوتها الآذان و أنه قد ربح -مدعيا- سلامه النفسي من الجدال مع الصغار !!

#٩) إن لم تكن على قدر المواجهة ،فأنصحك ألا تدخل بها أصلا ، فالكبير الحكيم هو الشجاع الذي يصبر و يصمد للنهاية انتصارا للحق لا اقتصاصا و ثأراً لذاته ..

#١٠) الهدف :- مشكلة أخرى تواجهنا في أي مناقشة مهما كان مجالها سواء على المستوى المهني أو الشخصي أو غيره هي أننا ننسى ما هو الهدف الحقيقي من هذه المناقشة ؟؟!
فكن على ثقة عزيزي القارئ أنه كلما اتجهنا للأهداف الشخصية و و تركنا الصالح العام و نسينا أن الهدف هو إظهار قلب الحقيقة ، فثق أن المناقشة حتما ستنتهي دون أي منفعة حقيقية و ملموسة  

#١١) الحكمة :- فثق أن الحكيم هو من إذا رأى بزوغ الحق أزعن إليه و سلم أسلحته تواضعا و محبة في هذا  الحق -أيا كان الطرف الذي توصل إليه - ..

#١٢) الرؤى و الآليات :- عندما نطالب بالتغيير فلابد و أن نمتلك الآليات لذلك و لا ننتقد و نعدد المشكلات و فقط !!
و تلك الآليات و الحلول لابد و أن تكون مشتركة و موضوعية في إطار من المرونة و الرقي

#١٣) هناك فارق عزيزي بين الثقة و الغرور :- فالثقة في منظوري هي حصاد التواضع و الخلق و القيم و التربية ، هي ثقة إيجابية تهدف لخدمة الصالح العام لا لتغذية البارانويا و دهس أحلام الآخرين و مشاعرهم
** كما أن هناك شعرة بين احترامك لمن يكبرك سنا و بين محاولة إظهار الحق له دون تطاول .

و لنا سويا في الحديث بقية في الجزء الثاني من المقال سنبدأها إن شاء الله بالحديث عن الثوابت و المسلمات في عدد الجمعة القادمة بإذن الله ...

#١٤) الثوابت و المسلمات :- و هنا يجب. أن نطرح سؤالا :-
ترى ما هي ماهية المسلمات أصلا ؟!!
و الأخطر أننا أصبحنا نعاني من عصر يتسم بازدواجية المعايير و الشك في كل رمشة عين و الاختلاط بين الثوابت و المتغيرات و تطورات العصر و العقائد و التقاليد على اختلاف المجتمعات ،، و هنا وجب الفصل بين المحاذير و الخطوط الحمراء و الثوابت التي لا نقاش فيها و ما دونهم فهو يحتمل الجدال و التقبل و ليس لفرض الذات أو عنجهية الأنا ..

#١٤) آليات تكوين الرأي :- أراك الآن صديقي القارئ  و أنت تقرأ و   تشعر بالحيرة و يتراوض في ذهنك سؤال هام و هو  :-  إذا كنا أصلا نتحدث عن الرأي ، فكيف لنا أن نبنيه أو نكونه ؟!!
و هنا دعني أقول لك بأن الرأي كي يصبح رأياً لابد و أن يصدر بناء على أساس سليم ، دراسة كافية ، نظرة شمولية ، التحقق فيما وراء الأشياء ، نضوج فكري ، اتزان نفسي ، مشاركة و مشورة ، مرونة و تغيير ، البدء بالنفس ، خبرة حياتية ، القدوة الصالحة و تقبل الاختلاف في إطار لا يفسد للود قضية ...  

#١٥)الأخلاق :-  كن كبيرا و منتصرا ، فكلما ازدادت أخلاقك ، كلما ارتقيت عن الهراء .
و تذكر بأنه ليس المهم أن تخرج منتصرا و لكن الأهم أن تخرج "محترماااا" ...

#١٦) لا تتصيد أخطاء الآخرين :- بنية التربص و المنافسة و دحض الرأي الآخر  و لكن انتبه إليها كي تتعلم منها و كي تغييرها تدريجيا - بنية الإصلاح لا المنافسة -  إلى النموذج السليم و المعيار الأساسي الذي يسير عليه الجميع و هو  "الكتالوج الرباني "  

#١٧) ضع موضوع النقاش في نصابه و لا تحمله فوق طاقته

#١٨) تجنب افتراض سوء النية في الآخرين :- فإذا أردت الإصلاح الحقيقي بنية التقرب إلى الله ، فلا تكن من المفسدين في الأرض و هم يظنون أنهم يحسنون صنعا ..

#١٩) لطِّف قلبك :- فكان النبي عليه الصلاة و السلام يحب -حتى-  من يبغضه ..

#٢٠) سر على خطى الإمام الشافعي -الذي كان من كان بقيمته و قامته دينا و علما و روحا - الذي قال :- رأيي خطأ يحتمل الصواب و العكس صحيح ..
جملة بليغة علمتنا  درسا في التواضع ... 

#٢١) التسامح :- أن تخرج من المناقشة بسلامة صدر سعيدا بانتصار الحق كقيمة لا انتصار الأشخاص ..

#٢٢) حسن الاستماع :- فهو يجنبك سوء التفاهم و يختصر عليك مشاويرا من الجدال ..

#٢٣) النقد لا يحتمل المعنى السلبي و فقط و لكن أيضا الإيجابي ، فإن كانت الأمور واضحه و على صواب فلا تنقد من أجل النقد و الاعتراض و فقط أو بهدف الظهور مضيعا بذلك الوقت و المجهود   ..

#٢٤) تدريب العقل على خوض المناقشات هام جداا ، و تجنبه هو آفة من آفات هذا العصر التي تميت القلب و تقتل الإبداع ..

و في النهاية ... تخلَّ تماما في كلامك مع مناظرك - ظاهرا كان أم باطنا - عن  مصطلح " في المشمش "  فهو مصطلح معيوب. .

و لكن استبدله بثقافة :- " اسأل الله أن يُظهِر الحق على لسانك " ..

قال الله تعالى :- ادع
إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن..
فلم يقل -عز و جل - جادلهم بالحسنى و لكن قاال :- بالتي هي أحسن ...
صدق الله العظيم ...

 

في المشمش...