بيل غيتس وكتاب عن أزمة التغير المناخي ربما يحمل بين طياته مفتاح نجاة البشرية

بيل وزوجته ميلندا، لديهما مؤسسة خيرية مهمتها هي تسخير المال من أجل استحداث تقنيات وآليات تساعد على تنقية المياه، بل وحتى الفضلات البشرية. قدرتهما على إحداث تغيير، فعلًا جبّارة. لكن من الناحية الأخرى، هناك أزمة عملاقة لا يستطاع بيل التعامل معها منفردًا، لكن على الأقل يستطيع أن يطرح الحلول، وعلى الحكومات التنفيذ.

إنها أزمة التغير المناخي الذي أوشك على أن يصبح كارثة بيئية، والحلّ متمثل في كتاب How to Avoid a Climate Disaster: The Solutions We Have and the Breakthroughs We Need، محور حديث اليوم.


ما فكرة كتاب بيل غيتس الجديد؟

بالطبع دائمًا ما يتطرق بيل غيتس إلى المواضيع بأسلوب مختلف عن بقيّة الكتاب. إنه بطبيعة الحال ليس أكاديميًّا، وكذلك ليس بسيطًا في طرحه، بل يتعامل مع السرد بمرونة تجعلك تجزم أن هذا الرجل ليس مكانه إدارة شركة برمجيات، بل معلم في أرقى جامعات العالم.

اتبع غيتس هنا أقرب وسيلة وشكل لضمان تأثير كلماته في الجمهور: الصدمة.

أجل، الصدمة.

الكتاب مليء بالصدمات التي تدمر رغبتك في العيش تقريبًا، حيث أن الحقائق المذكورة فيه كفيلة بإزالة أي نزعة إنسانية نحو عيش حياة غالية من المنغصات. الأرقام التي سردها عن انبعاثات الكربون وتدهور الأوزون وتنعت الحكومات (وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية)، مرعبة بحق. وبالطبع لن نذكر تلك الأرقام هنا، فهي موجودة في الكتاب، ويمكنكم مطالعتها بأنفسكم، وفي الواقع، الكتاب زهيد للغاية، وفي متناول يد الجميع تقريبًا.\

كتاب بيل غيتس عن أزمة التغير المناخي صدر بسعر 29 دولارًا للنسخة الورقية العادية، سعر 27 لنسخة الهارد كوفر، و 15 دولارًا فقط للنسخة المسموعة على مختلف منصات الاستماع، وأبرزها Apple Books. وبالرغم من أن المؤلف هو بيل غيتس فعلًا، وأن الكتاب يحتوي على معلومات حيوية وهامة، إلا أن سعره بحق زهيد، وكان من المتوقع أن ينشر بضعف السعر الحالي على الأقل. لكن غيتس أراد لرسالته أن تصل لعموم الناس، ولم يهتم بالمبيعات، فعلى كل حال هو أحد أثرى أثرياء العالم، وتزداد ثروته مع كل ثانية تمر.

أزمة التغير المناخي في كتاب بيل غيتس

يضع بيل غيتس يده مباشرة على أصل المشكلة: انبعاثات الكربون!

الكربون بالرغم من أنه العنصر الذي يكون كل شيء حيوي – Organic حولنا، إلا أنه مصدر التلوث الأول. فنفس العنصر الكيميائي الذي يستطيع تكوين أوراق الأشجار المنفذة للأكسجين عبر فتحاتها – Stomata، هو نفس العنصر الذي يستطيع تكوين الفحم المنتج لثاني أكسيد الكربون، وأيضًا نفس العنصر الأساسي في أول أكسيد الكربون الناتج عن احتراق السجائر.


لكن بعيدًا عن عوادم السيارات والأبخرة والسجائر كمصادر للتلوث وتدهور الغطاء الخضري على مستوى العالم، خصّ جيتس المصانع العملاقة بالذكر هذه المرة. في الواقع، المصانع هي المستهلك الأول للكربون، وكذلك المنتج الأول له. لكن المشكلة أن المصنع يستخدم الكربون بصورته المسالمة أو الخام، بينما يكون الناتج الثانوي للعمليات الكيميائية التصنيعية، هو الصورة السامة وغير الحميدة من الكربون. ومهما شرعت المصانع في تركيب الفلاتر على فوّهات المداخن، ومهما كان الدخان أبيض اللون، فهو سام ومؤذٍ، لا مناص من تلك الحقيقة المؤلمة.

حلول لإنهاء أزمة التغير المناخي

الحلول التي طرحها بيل غيتس هنا ليست مثيرة للاهتمام بشدة بالنسبة للجميع، فنحن بدون شك توصلنا إليها بالمنطق البسيط منذ زمن. لكن تكمن حيوية تلك الحلول في كونها خرجت من شخص مؤثر مثل غيتس، شخص لديه قدرة على أن يوصل كلماته إلى مسامع الحكومات المستبدة والمخربة للبيئة، وشخص له استثمارات وأموال تستطيع أن تضع الولايات المتحدة الأمريكية في موقف حرج إذا صفّى أمواله ونقل تجارته إلى بلد آخر، كبريطانيا مثلًا (ووقتها ستسعد بشدة، نظرًا لكونها خرجت من الاتحاد الأوروبي وتحتاج إلى شراكات مالية عملاقة).

الحلول ببساطة هي كل المحاولات الممكنة للتخلص من مصادر الطاقة ذات النواتج المدمرة للبيئة. فمثلًا نتخلى عن الوقود الأحفوري الذي ينتج الغازات السامة عند حرقه، ونستبدله بالطاقة المتجددة. ونتخلى عن استخدامات الفحم في بعض الصناعات، ونترك تمامًا الفريون ومشتقات الكلورو-فلورو-كاربون الموجودة في الثلاجات بأنواعها، والاستعانة بالنيتروجين السائل ومحاولة جعله مستدامًا وعاملًا بنفس مبدأ الفريون، لكن مع عدم وجود تلك المشتقات سابقة الذكر.


بشكلٍ مباشر، يقول بيل غيتس إن الحل يكمن في الرياح، الشمس، الانشطار النووي، والعديد من الأشياء بالمنتصف. كلها مصادر طاقة نظيفة، متجددة، ولا تكلف البشرية ضريبة التغير المناخي كما تفعل المصادر غير المتجددة كالوقود الأحفوري بأنواعه. لكن من الناحية الأخرى، تظل تلك المصادر النظيفة، مكلفة للغاية للحكومات، خصوصًا إذا قررت الحكومات التخلي عن كل شيء، وقتها ستكون التكلفة الفردية على أي صاحب مصنع يريد خدمة البيئة، عملاقة بحق.

فمثلًا إذا كان المفاعل النووي يكلف عدد X من الأموال لصنعه، فهناك احتمالان. الأول هو أن تساعد الحكومة الشركة المستثمرة في المفاعل، ووقتها تكون التكلفة هي X، منتقص من قيمتها المبلغ الذي دفعته الدولة، والذي يكون في العادة هو ترخيص البناء وسعر قطعة الأرض الخاصة بالمفاعل، ومبانيه المساعدة.

لكن الاحتمال الثاني (وهو الأسوأ)، أن تخلع الحكومة يدها تمامًا من الأمر، فبالتالي يتكفل المستثمر بالمفاعل، الأرض، التراخيص، وكل شيء حرفيًّا، وأيضًا تقوم الحكومة بأخذ ضرائب منه، بل وأيضًا تستخدم جزءًا لا بأس به من منتوج الطاقة النظيفة الخاصة بالمفاعل.

للأسف، ستظل الطاقة النظيفة مكلفة جدًا للأفراد (حتى الذين يركبون مجرد ألوان شمسية على أسطح منازلهم)، وستظل هكذا فقط إذا قررت الحكومات المتعنتة الاستمرار في غض الطرف عن التغير المناخي، فبالتالي تستمر في نزع أيديها من الجهود العالمية لمواجهة الأزمة.

والجدير بالذكر أن فترة حكم الرئيس السابق، دونالد ترامب، كانت مأساوية تمامًا بالنسبة لملف أزمة التغير المناخي والاحتباس الحراري، لكن الإدارة الديمقراطية الجديدة للرئيس الحالي جو بايدن، تعد باختلاف كل تلك الأمور، والتركيز على وضع حل للأزمة فعلًا. وربما بيل غيتس سوف يقوم بتغيير العالم، فإن بايدن فعلًا متعاون، ومن المتوقع أن نجد له جلسة مع بايدن قريبًا في البيت الأبيض، أو في لقاء صحفي عام، فهو فعلًا يستحق.