المعلم ومارغريتا رواية للكاتب بولغاكوف تستدعي قراءة متأنية

رواية المعلم ومارغريتا – The Master and Margarita للروائي المسرحي السوفييتي ميخائيل بولغاكوف – Mikhail Bulgakov هي إحدى الروايات التي يصعب تصنيفها من بين العبث والهجاء، حتى النقد السياسي والتساؤل الديني الجاد مرورًا بقصة نشرها المثيرة التي تضع نفسها بجانب باقي صدامات بولغاكوف مع السلطة السياسية بالاتحاد السوفييتي وقت نشر الرواية، والتي من الواضح أنها كانت سببًا أساسيًا في تمثل “الشيطان” في موسكو –في رؤية بولغاكوف– وكذلك سببًا أساسيًا في دفن العديد من الأعمال الأخرى لبولغاكوف، على أي حال، سنحاول بالقليل من الاستفاضة في هذا المقال أن نقوم بقراءة تحليلية لشخصية الشيطان وظهورها في أدب بولغاكوف وتحديدًا في رائعته “المعلم ومارغريتا: الشيطان يزور موسكو

وضع بولغاكوف في الفصل الثاني من رواية المعلم ومارغريتا قصة إسرائيلية تحكي عن الحاكم اليهودي بيلاطس البنطي، ومن يحكي القصة من المفترض أنه شيطانٌ أو على الأقل متمثل هكذا فهو يقول أثناء حكايته “لقد كنت هناك”، يفرض الحاكي أن بيلاطس قد قابل يشوع (يسوع المسيح) بعد أن قد حدث سوء فهم بينهما، وقد أمر بإعدامه بدلًا من أن يفصح عنه، وهنا مات يشوع وما وصلنا عنه ما هو إلا خرافات.

وعلى الرغم من أن القارئ قد يشعر بأن هذه القصة لم تظهر إلا تعسفًا من الكاتب (وقد يؤكد شعوره اختفاء القصة طول الكتاب حتى الفصل السادس عشر)، إلا أن خداع بولغاكوف كان يكمن في هذين الفصلين، وهذا ما سنحاول أن نثبته فما يلي: فحص دور العناصر الشيطانية وقصة بيلاطس بقصة المسيح وربط هذه العناصر من ناحية إلى الرواية نفسها ومن ناحية أخرى إلى تقليد فاوست (الخاص بجوته).

الشيطان في رواية المعلم ومارغريتا

“فمن تكون إذًا بنهاية المطاف؟
– أنا جزءٌ من تلك القوة التي تريد الشر دائمًا، لكنها تقترف الخير دائمًا” (غوته، فاوست).

هكذا افتتح بولجاكوف روايته المعلم ومارغريتا بتعريف الشيطان بنفسه من حكاية فاوست الشعبية، والذي –فيما يبدو– أنه قصد أن يشبه شيطانه بشيطان فاوست، وقد يكون أخطأ في ذلك، فشيطانه على الأغلب لا يريد الشر دائمًا ولكنه مقبع فيه لا يستطيع الخروج منه كلما حاول، على عكس شيطان فاوست، ولكن على كل حال فإننا إذا حاولنا استشفاء معنى الشيطان من الكتب المقدسة جميعها سنعاني من نفس الحيرة التي سنجدها عندما نقارن شيطان فاوست بشيطان بولجاكوف فلا يمكننا أن نلومه على ما استعصت عليه القرون من قبله.


يعلم أي قارئٍ للرواية أن بناءها يدور في عالمين، العالم الأول هو موسكو والآخر أورشليم (القدس)، وقد يلاحظ عدد قليل من القُراء اختلاف المصدر السمعي في الرواية، ما بين راوي رئيسي وبين راوي من أحداث الرواية، إلا أنه لن يلاحظ سوى القارئ الروسي أن الراوية ينقسم سردها إلى ثلاثة أنواع:

  1. سرد فولاند وهو سرد شخصية فولاند، وهو السرد المسيطر على الرواية والذي يصل سرده إلى كل العوالم الأخرى، وسنجد أن تسمية فولاند لم تكن تعسفًا، فكلمة فولاند أو بالألمانية: Woland هو أحد أسماء الشيطان،
  2. على كلٍ يأتي من بعد فولاند الراوي وهو –كما لاحظ النقاد الروس– راوي من مدينة موسكو، ويتحدث بلهجة سكان موسكو.
  3. الراوي الأخير وهو يدعى في الأدب الروسي السكاز – skazka وهي كلمة تشبه الكتابة بالعامية، أي أن هناك جزءٌ من الرواية يتحدث بلهجة قروية وهو الجزء الذي لا يصل إلى عالم السيد المسيح                                                                                                                                                                        إلى جانب هذا البناء، يتفق النقاد على أن الرواية تحتوي على ثلاث حبكات:
    • الأولى هي السرد المُلفق (أو المُخترع Apocryphal) لموت المسيح ودفنه.
    • الثانية هي عن زيارة الشيطان وحاشيته لموسكو (كالقط الغريب والعامل الذي ساعد الشيطان في مطلع الرواية).
    • الثالثة هي حياة شخصين في موسكو، الأول هو رجلٌ بدون أنام وهو المُعلم، والأخرى هي حبيبته مارغريتا؛ تتفاعل كلٍ من مارغريتا والمعلم مع الشخصيات الخارقة للطبيعة –كالشيطان وأعوانه– الموجودين في الحبكة الأخرى (والتي لا تتفاعل مع الحبكتين الأخيرتين) أو بمعنى آخر، فإن حبكة مارغريتا والمعلم هي من توحد كل هذه العوالم معًا، كما قال بولغاكوف في أحد أجزاء الرواية: “لا يمكن للإدراك أن يقيد الواقع وحده”.

    على الرغم من كم الفنتازيا الكبير في رواية المعلم ومارغرتيا للروائي المسرحي السوفيتي ميخائيل بولغاكوف إلا أننا يمكننا أن نعدها كم وصفتها الناقدة الروسية جيسكا إي ميرل – JESSICA E. MERRILL “رواية صادقة”، فعندما سيظهر الشيطان في الصفحات الافتتاحية الأولى لكاتبين ملحدين سوفيتيين، من الطبيعي أن يكون رد فعلهم الفوري “لا يمكن أن يكون ذلك (ص.5)” ولكن بولجاكوف يسارع بالتعليق في شخصية بروبريا “لكن للأسف، قد كان”. عندما سيحاول الكُتاب إقناع الشيطان بأن يسوع المسيح لم يكن موجودًا على الإطلاق فإن الشيطان نفسه يزعجهم بشدة: “يسوع كان موجودًا، هذا ليس رأيي، لقد كان موجودًا وحسب(ص.14)”.

    حتى بعد انتهاء الشيطان من القيام بالعديد من التحركات المزعجة بموسكو، سيرفض المثقفون الروس الدليل القاطع الذي كان أمامهم على التصديق بأن هناك قوى خارقة قد زارت مدينتهم، من الواضح أن التفسيرات العجيبة هي فقط التي سيرضى بها مثقفو موسكو، مثل التنويم المغناطيسي على مسافاتٍ طويلة، استخدم بولغاكوف هذه الحقيقية بطريقة تظهر أن الواقعية الاشتراكية غير كافية لوصف الواقع، أو كما وصف في منتصف الرواية:

    لكن الحقائق، كما يدعون، هي حقائق، ولا يمكن تجاهلها دون تفسير، هناك شخصً ما جاء إلى موسكو. كان الرماد المتفحم الذي تبقى من غريبويدوف دليلًا بليغًا على ذلك.

    وبالفعل كان هناك من جاء إلى موسكو، كان شيطانًا لاهوتيًا مسيحيًا أرثوذكسيًا (وبالأخص أرثوذكسي روسي)، يكون الشيطان مجردًا تمامًا للناس، وسنلاحظ من معاملته للملحدين أنه يثبت قول غوته: أنا جزء القوة التي تريد الشر دائمًا لكنها تقترف الخير دائمًا؛ فأفعال الشيطان تجري بشكل ما أو بآخر مع نفس مصير أفعال العدالة الإلهية، كما يعكس القمر نور الشمس.