التجربة السويدية لدعم ريادة الأعمال: إجازة 6 أشهر للموظفين!


فتقول الدراسة:

أن الخوف من فقدان المستقبل المهني المستقر (إذا فشلت جهود بدء إنشاء نشاط تجاري خاص) يُعد أمراً أساسياً يعوق العديد من الأشخاص.

العديد من البلدان تدعم تقديم التمويل لرواد الأعمال. ومع ذلك، فإن تقليل المخاطر المهنية على نفس القدر من الأهمية، وغالبًا ما يتم تجاهله من قبل صانعي السياسة.

وهُناك تجربة رائدة تبنتها السويد، من أجل التغلب على مخاوف الفشل المهني والأمن الوظيفي لروائد الأعمال المحتملين، وتوفر بيانات تجريبية نادرة لدعم هذه الفكرة.

نظام سويدي فريد للإجازات

اكتسبت السويد -التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة فقط- سمعة باعتبارها واحدة من أكثر البلدان ابتكارًا في أوروبا خلال السنوات الأخيرة. حيث أن الأسباب الأكثر شيوعًا التي أدت لهذا تكمن في البنية التحتية الرقمية القوية، وثقافة التعاون والتأمين الخاص للبطالة الخاصة بأسعار معقولة، والتي توفر شبكة أمان اجتماعي أكبر من العديد من البلدان.

خلال العشرين سنة الماضية أو ما يقرب من ذلك، تمتع موظفو السويد بميزة فريدة وغير عادية، وهي: حق قانوني في الحصول على إجازة من العمل لمدة ستة أشهر بدون مرتب؛ وذلك من أجل التفرغ لبدء مشاريعهم وشركاتهم الناشئة الخاصة، بما ينصب في دعم مسيرة ريادة الأعمال في البلاد.

إن قانون الحق في مغادرة العمل من أجل تنفيذ العمليات أو المشاريع أو الشركات التجارية، يُعد واحداً من سلسلة من الحقوق الفريدة والمميزة الممنوحة للموظفين السويديين، كحق أخذ إجازة لدراسة أو رعاية فرد من أفراد العائلة.

كما أنه واحد من الأسباب التي جعلت عاصمة البلاد، ستوكهولم، تصنف كعاصمة أوروبا للشركات الناشئة، وتأتي في المرتبة الثانية بعد وادي السليكون في كاليفورنيا في عدد الشركات الناشئة التي يتخطى رأس مالها مليار دولار.

وقد ساهم الحق القانوني في الحصول على إجازة غير مدفوعة الأجر في ذلك الأمر. وبينما لوحظ زيادة الاتجاه -لا سيما في مجال التكنولوجيا- وارتفاع الطلب على جميع أنواع إجازات الغياب (بما في ذلك الإجازة المدفوعة للوالدين عند الإنجاب) يتزامن مع تزايد أعداد السويديين الذين يبدؤون شركاتهم الخاصة.


قصص ريادة الأعمال والنجاح السويدية

واحدة من أهم قصص النجاح للشركات الناشئة في السويد هي شركة Spotify الشهيرة والمختصة بإدارة حقوق التسجيلات الصوتية وبثها للمستخدمين إما مجاناً مع الإعلانات أو عبر اشتراك مدفوع. تأسست الشركة المالكة للتطبيق عام 2006، وعملت في بورصة نيويورك للأوراق المالية في العام الماضي، ولديها قيمة سوقية تزيد عن 24.5 مليار دولار.

ومن بين الشركات الناشئة الأخرى Skype، التي اشترتها Microsoft في عام 2011 مقابل 8.5 مليار دولار، وشركة Mojang، المتخصصة في ألعاب الفيديو، والتي تقف وراء لعبة Minecraft، التي اشترتها Microsoft عام 2014 مقابل 2.5 مليار دولار.


هذا النظام الفريد من نوعه، ساعد الأخصائية النفسية Jana Cagin، على تأسيس شركتها الخاصة بانتاج وتجديد الأثاث، وهي موظفة بالأساس، فحصولها على إجازة غير مدفوعة الأجر دفعت مشروعها للخروج إلى النور. وبالعودة إلى موضوعنا، نجد أنه يحق لأي شخص يعمل بدوام كامل، التقدم بطلب للحصول على إجازة غير مدفوعة الأجر، أو Tjänstledighet كما تسمى في السويد، لمدة لا تقل عن ستة أشهر، للعمل على فكرة إنشاء شركة ناشئة خاصة به.

هذا ما يحقق الأمان الوظيفي، ووجود مصدر دخل يمكن الاعتماد عليه في وقت الأزمات، مع إمكانية الحفاظ على الوظيفة وضمان الحق في العودة إليها في حال فشل المشروع، ويعمل على التقليل من حدة المجازفة المالية وتبعاتها، ومن ثم التشجيع على تأسيس المشروعات ودعم ريادة الأعمال. وهناك اتجاه متزايد في العديد من البلدان لدعم الأشخاص الساعين لتطوير مشروع تجاري خارج ساعات العمل العادية، ثم تكريس وقت فراغهم لرعايتها.

في عام 2017، وفقًا لإحصاءات السويد فقد تم تسجيل عدد 175 ألف موظف تتراوح أعمارهم بين 25 و 54 عامًا حصلوا على إجازة تفرغ لتأسيس أعمالهم الخاصة، مقارنة بـ163 ألف في عام 2007. في حين يقول مكتب تسجيل الشركات السويدية أن هناك 48,542 شركة محدودة تم تسجيلها في عام 2017، بالمقارنة مع  27,994 في عام 2007.

في حين أن الغالبية العظمى من السويديين يعملون في وظائف مستقرة، فقد حدث في السنوات الأخيرة تحول نحو التوظيف المؤقت والعمل الحر والتطبيقات حسب الطلب، أو ما يُعرف بالـ Gig Economy لتلبية احتياجاتهم، مما أثر بشكل كبير على العمال الشباب. ففي عام 2017، كان ما يقرب من 50% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 24 عامًا و 18% من بين 25 و 34 عامًا في عمل مؤقت، بزيادة من 44% و 14% في عام 2009.

إنها نظرة مستقبلية تتلاءم مع اقتصاد أضيق، فوقت الفراغ والقدرة والموارد الاحتياطية غير المستغلة كلها تنتظر أن يتم استغلالها دون نقد أو لوم أصحابها. وقد يتضمن ذلك العمل لتقديم الطعام الجاهز، والتسجيل لتكون سائق سيارة أجرة أو ساعي لبضع ساعات في اليوم، أو لبيع منتجاتك الخاصة بالفنون والحرف اليدوية عبر الإنترنت.


هذا، وتظهر البيانات الحكومية الأمريكية حجم الاقتصاد المستقل أو الاقتصاد المؤقت في الوقت الذي يحاول فيه العمال الأمريكيون التنقل عبر بيئة العمل المتغيرة. حيث قدم مكتب إحصاءات العمل الأمريكي BLS القراءة الرسمية الأولى لعدد الأمريكيين الذين يعتمدون على العمل المؤقت، فهناك 16.5 مليون أمريكي يعملون في الاقتصاد المستقل. بالمقارنة، هناك 80 ألف شخص يعملون في صناعة الفحم الأمريكية التي كانت مزدهرة حتى عدة عقود مضت.

على الرغم من أن تقرير BLS يظهر مجموعة واسعة من الأعمال، بما في ذلك المتعاقدين المستقلين، والعاملين تحت الطلب، والعاملين المؤقتين في وكالات المساعدة، والعاملين الذين توفرهم شركات العقود، فإن أرقامهم تدل على مدى انتشار النهج البديل للعمالة في الاتجاه الاقتصادي السائد.

يجب النظر إلى الاتجاه نحو الحصول على إجازة لبدء نشاط تجاري في سياق قوانين العمل الصارمة التي يعرفها بلدان الشمال الأوروبي، والتي تشتهر المساواة بالمجتمع في الاقتصاد ما يسمى بالنموذج الاسكندنافي. فالتعليم والرعاية الصحية المجانية هما جزء من نظام الرعاية الشاملة الممول من الضرائب مع وجود معدلات ضرائب عالية.

هناك مستويات عالية من الأداء النقابي داخل القوى العاملة بالمجتمع، وانخفاض لمستويات الفساد، واقتصاد السوق الحر النشط. هناك تركيز على دعم الأشخاص الأكثر احتياجًا، وتمكينهم من الازدهار، وضمان المساواة. وعندما يتعلق الأمر بمسألة إجازة الولادة للوالدين، فإن الدول الاسكندنافية يتم الاستشهاد بها دائمًا كنموذج مثالي لتتبعه الدول الأخرى.

جميع الآباء والأمهات الجدد في السويد، على سبيل المثال، يحق لهم الحصول على إجازة ولادة مدفوعة الأجر لمدة 16 شهرًا، يحصلون خلالها على حوالي 80٪ من رواتبهم. ومن المتوقع أن يأخذ الآباء بعض هذه الإجازة أيضًا. وهناك قصة مماثلة في النرويج، التي أدخلت إجازة الولادة المشتركة فيها عام 1977. وفي عام 1993، اتبعت ذلك من خلال تحديد حصة لمدة 10 أسابيع يأخذها الآباء خلال فترة إجازة الولادة للوالدين.

في الدنمارك، يحق للوالدين أخذ إجازة 52 أسبوعًا (سنة)، حيث تستطيع الأمهات أخذ أربعة أسابيع قبل الولادة و14 أسبوعًا بعدها. ويمكن للآباء الدانماركيين أن يأخذوا إجازة أسبوعين من العمل خلال الأسابيع الأربعة عشر الأولى من الولادة، وبعد ذلك يمكن للوالدين مشاركة الأسابيع الـ32 المتبقية بينهما.

يسلط أحدث تقرير للتنافسية العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي عام 2018 الضوء على أن الابتكار كأمر حتمي وضروري بالنسبة للبلدان في جميع أنحاء العالم، ولكن معظم تلك البلدان يفشل في جعله محرك للنمو. وقد تم تسمية ألمانيا والولايات المتحدة وسويسرا بـ Innovation Powerhouses أو قوى الابتكار، ولكن بالنسبة لمعظم البلدان تظل القدرة على الابتكار محدودة، أو محلية أو موجودة في عدد قليل من القطاعات.