لويس سيبولفيدا آخر ضحايا كورونا

فيروس كورونا تحول من وباء إلى جائحة في فترة قصيرة للغاية.

وبناءً عليه، دخل العالم كله في حالة استنفار قُصوى، وأعلنت عشرات الدول حالة الطوارئ في العديد من مقاطعاتها، بل في جميعها ببعض البلدان.

ظل تلك الأجواء من العُزلة المنزلية، الفنون والآداب هي المتنفس الوحيد للبشر. لكن يبدو أن الأمر لن يستمر هكذا طويلًا، فقد شرع كورونا بالفعل في اختطاف رؤوس أقلام الأدب من بيننا بغتة، بدون سابق إنذار على الإطلاق.

وآخر تلك الرؤوس هو الكاتب التشيلي “لويس سيبولفيدا” الذي رحل عن عالمنا أمس.

يعد الكاتب التشيلي “لويس سيبولفيدا” هو آخر ضحايا فيروس كورونا.

ستقولون أن الإنسان يعيش بفنونه، ولا يُشترط أن يعيش ليقدم المزيد من الفن.

لكن لا، الوضع مختلف مع “لويس سيبولفيدا” يا رفاق، هذا الرجل ليس كاتبًا فحسب، هذا الرجل مُناضل أيضًا.

اليوم سوف نتعرف على ملابسات وفاته بالفيروس، مُسلطين الضوء على أهم إنجازاته الحياتية، ومُركزين على أهمية النضال من أجل الحرية. الحرية التي أصبحت سلعة في زمننا هذا، وبات مُريدها يحتاج لدفع حياته في بعض الأحيان ثمنًا لها.

مَن هو لويس سيبولفيدا يا ترى؟

الكاتب “لويس سيبولفيدا” صاحب رواية “العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية” يموت متأثرًا بفيروس كورونا.

ربما يُطلق على “لويس سيبولفيدا – Luis Sepúlveda” وصف كاتب، صحفي، أو سينمائي، فقد كان فنانًا شاملًا.

وُلد في تشيلي بـ 4 أكتوبر 1949.

بدأ حياته بشكلٍ اعتياديّ مثل أغلبنا، لكن سرعان ما شق طريقه إلى عالم الأدب عبر الكتابة القصصية، ثم انتقل إلى الروائية.

كتب الكثير من الأعمال، لكن العمل الذي حقق له شهرة عالمية كان رواية (العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية).

والتي تُرجمت بدورها إلى 35 لغة، وجعلت اسمه يلمع في سماء الأدب.

كما أنه حصل على جائزة (تيجري خوان) في 1988، ونال وسام الفنون والآداب الفرنسي كذلك، مثله مثل (علاء الأسواني) من مصر، و (فيروز) من لبنان.

قبل وفاته بفيروس كورونا، كان بالفعل قد ذهب إلى إسبانيا منذ أكثر من 20 سنة ليعيش هناك حتى وفاته المنية في 2020.

وفي الواقع، لم يذهب على رضاه أبدًا؛ فقد نُفيَ الكاتب إلى إسبانيا في ظل نظام حكم “أوغوستو بينوشيه” الديكتاتوري. كتاباته وأفكاره السياسية لم ترُق للنظام الحاكم وقتها.

وذلك بالطبع نظرًا لانضمامه إلى صفوف الشيوعية في سنٍ مُبكرة.

ومن الشيوعية، اعتنق الأيدولوجية الاشتراكية، ومنذ وقتها ووضع النظام الحاكم عينه عليه، وأوقفه عن نشاطاته في 1973.

تم سجنه لسنتين ونصف كإقامة جبرية، لكن بفضل منظمة العفو الدولية، فرّ لفترة مؤقتة للغاية.

لكن في النهاية تم القبض عليه مجددًا وحُكم عليه بالسجن لـ 28 عامًا (مؤبَّد).

والذي بدوره تحول إلى حكم بالنفي خارج البلاد كنوع من التخفيف، ومنذ 1977 غادر تشيلي، ولم يعد إليها أبدًا.

الكاتب لويس سيبولفيدا - كورونا

وأيضًا الحياة ليست وردية هكذا، كان ذهابه إلى إسبانيا في الأساس محفوفًا بالمخاطر.

كان من المقرر له النفي للسويد، إلا أنه ناضل وكافح وفرّ منهم في الأرجنتين.

ومن هناك استمر في التأرجح من بلد لآخر بأمريكا الجنوبية.

ومرت سنين انخرط فيها بفن المسرح الممتزج بالنضال المُسلّح في نيكاراغوا، وكذلك الهند.

حتى وجد نفسه يكتب رواية (العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية) في 1992، بعد سنين وسنين من الكِفاح من أجل الحريّة.

وفي النهاية، عقب عودته من مهرجان (كورينتس ديسكريتاس) الأدبي في البرتغال بـ 25 فبراير 2020، بدأت أعراض الاعتلال التنفسي في الظهور عليه.

وفي يوم 1 مارس 2020، تم الإعلان عن إصابته بفيروس كورونا المستجد، ليكون أول حالة مصابة في أستورياس.

وفارقنا سريعًا للأسف، عن عمر يناهز 71 عامًا.

عن عجوز لويس سيبولفيدا وغيره: أفضل أعمال الكاتب الراحل

الكاتب لويس سيبولفيدا - العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية

سرد “لويس سيبولفيدا” العديد من الأعمال الأدبية المختلفة التي تنطوي على القصص تارة، والروايات تارة أخرى. وبينهما نجد نصوصًا مسرحيًّا وسيناريوهات سينمائية.

والمميز في كل ما سبق، أنه يصبغ أعماله بأفكاره، ولا يقتبس واقعية أعماله عن واقعية الآخرين، بل عن واقعية نفسه.

في أبرز أعماله، رواية (العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية)، نجده قد تحدث من منظور الراوي العليم، وأسقط أفكاره وأيدولوجياته على أبطال العمل الأدبي. حيث تحدثوا على لسانه، وتحدث على لسانهم.

تروي الرواية قصة رجل عجوز بدأت حكايته عندما شرع في التغيير من رواسخه الحياتية.

في أحد الأيام ذهب للصيد، وأصاب البهيمة بطلقة مشتعلة من بندقيته العتيقة. لكن عندما اقترب منها، أثار المشهد الدموي حنقه على نفسه، وعلى البندقية.

حتى أنه وصف الأخيرة بالبهيمة الملعونة من كل المخلوقات.

ثم عاد لكوخه من جديد، ليقرأ عن الحب والغرام، تلك المسميّات والألفاظ التي باتت شبه معدومة في (أمازونيا).

ببساطة الرواية تتحدث عن إنسان طعنه الزمان كثيرًا، وبات يتلمَّس الرقّة في عالمٍ من القسوة. تمتاز الرواية بالبناء المتزن والشخصيات ذات الخلفيات الجيدة، وردود الأفعال المتوازنة معها.

بجانب وجود قفزات نفسية عديدة تساعد على دفع القصة للأمام.

رواية العجوز الذي يقرأ الروايات الغرامية

غلاف رواية “العجوز الذي يقرأ الروايات الغرامية”، للكاتب الراحل “لويس سيبولفيدا”.

ستجد في الرواية أيضًا نقاطًا كثيرة تُشير إلى فائدة القراءة، وهنا يحضرني اقتباس منها يقول:

“إنه يحسن القراءة، ويملك الترياق الشافي من سم الشيخوخة الهائل”.

والجدير بالذكر أن الرواية لم تُترجم إلا مرة واحدة عن طريق دار الآداب، وعلى يد المترجم: د. عفيف دمشقية.

ليست الترجمة أدبية بالدرجة التي تتخيلها، لكنها مقبولة بالنسبة لعمل غربي اللغة في الأساس، وليس مكتوبًا بالإنجليزية التي اعتاد الكثير من المترجمين على التمكن من مقاليد أحكامها الأدبية.

كذلك لم تكن تلك الرواية هي الوحيدة البارزة في المسيرة الأدبية والفنية للراحل لويس سيبولفيدا فعلًا، كانت هناك أعمال أخرى ممتازة للغاية، بل ويمكن وضعها على قدم المساواة مع العديد من الأعمال التي استحقت شهرة عالمية، لكن لم يحالفها الحظ كما حالف رواية العجوز، ومن ضمنها:

القط الذي علمها الطيران.

العالم في نهاية العالم.

باتاغونيا إكسبريس.

اسم مصارع ثيران.

طائر النورس.

الخط الساخن.

ياكاري.

وفي النهاية.. لا يمكن اختزال حياة كاتب في مجموعة سطور، ولا يمكن كذلك سردها في عشرات المجلدات.

حياة الإنسان بها خبايا لن يعلم أحد عنها شيئًا، لكن المؤكد أن الظاهر منها، هو الذي يبقى.

ولإيماني المُطلق بأن الشخص يحيا بآخر إنسان يتذكر وجوده، قررت أن يكون هذا المقال تذكرة للملايين من البشر، بأنه كان هناك، في يومٍ ما، كاتب يُدعى “لويس سيبولفيدا كالفوسورا”.

عاش مناضلًا، ولم يرحل على يدٍ إرهابيّ جبان أو حكومة غاشمة.

بل رحل كضحية لدورة الحياة التي تعتمدها الأرض من وقتٍ لآخر، لتخليص البشر من شرور أنفسهم.

وفي المنتصف للأسف، قد تجور الأرض على أنقى البشر.

كتب PDF ، كتب و روايات PDF ، أفضل تجميعات الكتب، كتب عالمية مترجمة ، أحدث الروايات و الكتب العربية ،أفضل ترشيحات الكتب و الروايات، روايات و كتب عالمية مترجمة.