تكمن مُتعة القراءة، في كونها مهربًا رائعًا من عالمنا الذي نعيش فيه، ومدخلًا إلى عالمٍ آخر في نفس الوقت، كما قال العظيم أحمد خالد توفيق في روايته يوتوبيا على لسان أحد أبطال عن نصائح أو عادة القراءة:
“القراءة بالنسبة لي نوع رخيص من المخدرات. لا أفعل بها شيئاً سوى الغياب عن الوعي. في الماضي -تصور هذا- كانوا يقرأون من أجل إكتساب الوعي”.
أن تكتسب الوعي أو تغيب عنه أو تقوم بصنع مزيج من الاثنين من خلال قرائتك، فهذا أمر يخصك وحدك، ولكن دعنا نتفق أنّ الشيء المهم بخصوص نصائح القراءة، والذي لن نختلف عليه أبدًا، هو أنّه كلما قرأنا أكثر، كلما صرنا أشخاصًا أفضل في الواقع.
هناك الكثر من الشباب الواعي الذي يُدرك أهمية القراءة، ولكنّه لم يعتد على القراءة بشكل يومي، ممّا يجعل قراءته متقطّعة، وتظل الكتب لديه بالشهور على حالها بدون تقدّم يُذكر في القراءة. هؤلاء الشباب الذين يتمنون أن يزيدوا من أوقات القراءة الخاصة بهم، لتصبح في حياتهم عادة يومية، لا يُمكنهم الاستغناء عنها، هم من نهدي إليهم هذا المقال، الذي سنقوم فيه بإسداء مجموعة نصائح مُختلفة وبسيطة، كي يزيد معدّل قراءتهم بشكل واضح.
وهناك مقولة للكاتب الإنجليزي سومرست موم بخصوص ذلك تقول:
“كي تُصبح القراءة عادة، لا بد وأنّ تجعل من القراءة ملجأً آمنًا بالنسبة لك من مآسي الحياة”.
بالفعل كلّنا نعلم أنّ النشوة التي يشعر بها القارئ منّا، عندما يقرأ كتابًا جيدًا، لهو شيءٌ لن يُدركه أولئك الذين لا يقرأون، أو الذين يتملكّهم الملل سريعًا فيهجروا القراءة.
نصائح بسيطة لتحويل القراءة لعادة يومية
لذا فقرّرنا نحن بعد البحث في العديد من المواقع الالكترونية المتخصصة، أن نُقدّم نصائح تُساعدك عزيزي القارئ على زيادة معدّل قراءتك، حتى تُصبح في النهاية ليست عادة يومية فحسب، وإنما عادة مُحببة تنتظر أن يحين وقتها بشغف.
1- اعرف لماذا تقرأ
في البداية يجب أن تسأل نفسك، لماذا تودّ أن تقرأ؟ ما الذي يجعل القراءة مهمّة لك؟ وما الذي تتوقع أن تصير إليه بعد عامٍ مثلًا، إن قرأت كل يوم ولو قليلًا؟ إجابتك على هذه الأسئلة، ستكون الدافع لك كي تبدأ في عملية تحويل القراءة المُتقطّعة إلى عادة يومية أساسية في حياتك. لاحظ أنّ إجابات هذه الأسئلة تختلف باختلاف كل شخص، لذا، لا بد وأن تعرف لماذا تقرأ أنت تحديدًا، وعليك بعدها أن تُكرر الإجابة على مسمعك في كل يوم تجد نفسك فيه مُتكاسلًا عن القراءة، حتى تشحذ همّتك من جديد.
2- اعرف ماذا تُريد أن تقرأ
لا بد وأن تُحدّد ما هي نوعية الكتب التي تستهويك بشكل خاص، حتى يُمكنك التركيز عليها على الأقل في البداية، ولا بأس إن لم تعرف ذلك فورًا، واحتجت إلى العديد من الكتب المختلفة كي تكوّن رأيك الخاص بها، ولكن كلما عرفت ذلك أسرع، كلما كانت اختياراتك في الكتب موفقة أكثر، وقراءاتك أسرع وأمتع أيضًا.
3- لا تقرأ ما يجب عليك أن تقرأه
لا تقرأ كتابًا لمجرد أنّ الكل مجمعٌ على أنّك لا بد وأن تقرأه، فقد لا يكون من نوعية الكتب المُفضّلة لك، اقرأ فقط ما تشعر أنّك تُريد أن تقرأه، فمثلًا هناك الكثير من الأعمال الكلاسيكية الطويلة، والثقيلة لُغويًا، التي لا ينبغي عليك أن تقرأها لمجرد تصوّرك أنّك يجب أن تكون قارئًا مثقفًا وعلى دراية بتلك الأعمال، اقرأ فقط ما تستمتع به، ولا تهتم بالكتب التي تجعلك تشعر بالملل حتى وإن كانت هامة أدبيًا.
4- اقرأ يوميًا
نعرف أنّ هذه النصيحة تبدو سخيفة، فنحن نُخبرك بأنّك يجب أن تقرأ يوميًا من أجل أن تصبح القراءة عادة يومية، ولكنّ في الحقيقة فإنّ هذه المعادلة صحيحة تمامًا، لن تُصبح القراءة عادة ما لم تفعلها يوميًا، وحتى تفعل ذلك يجب أن تُخصّص وقتًا مُعينًا للقراءة، بداية من عشر دقائق وحتى الوقت الذي تُريده، لا تهم مدّة القراءة قدر ما يُهم الالتزام بهذه النقطة، أخبر نفسك الآن بأنّك لا بد وأن تقرأ كل يومٍ مهما حدث، وحدّد وقتًا للقراءة.
5- اقرأ بالتدريج
لا تُرغم نفسك على قراءة كم كبير من الصفحات ما دمت لا تشعر بأنّك تُريد ذلك، وكما اتفقنا، فأنت ستقرأ يوميًا، ولو صفحة كتاب واحدة، واترك نفسك تُحدد ما إذا كنت تود أن تُكمل أم لا، وحاول أن تزيد القراءة في كل يومٍ عن اليوم السابق ولو بعدة أسطر فحسب.
6- قلّل الوقت الضائع، واجعله وقتًا للقراءة
من الضروري أن تُقلّل من الوقت الذي تُخصصه للأشياء الأخرى غير المهمة في يومك، حتى تُفسح وقتًا مُناسبًا للقراءة، فمثلًا إذا كنت معتادًا على مُتابعة مسلسلًا على التلفاز، فبدلًا من أن تُشاهد حلقتين أو ثلاث منه، اكتفِ بمشاهدة حلقة واحدة فقط، وخصّص باقي الوقت للقراءة. وبالنسبة لوسائل التوصل الاجتماعي، التي باتت تلتهم ساعاتٍ كثيرة لا فائدة منها تقريبًا من اليوم، فيُمكنك أن تُقلّص من وقتها أيضًا، النصف مثلًا، لتضيفه للوقت المُخصص للقراءة.
7- ضع كتابًا أمامك طول الوقت
لا بد وأن تضع كتابًا أمامك دائمًا في الغرفة التي تجلس فيها، على مكتبك أو بجانب فراشك مثلًا، حتى يسهل عليك أن تلتقطه في أي وقتٍ تشعر فيه بالملل، وفور الانتهاء منه، عليك أن تضع كتابًا آخر مكانه. دع عيناك تعتاد على أنّ الكتب أصبحت جزءًا من حياتك.
8- اختر من أصدقائك رفيقًا للكتب
لا بد وأن يكون في حياتك شخصًا واحدًا على الأقل، تتشارك معه حب الكتب، كي تتحادثا سويًا عن الكتب التي تودّان قرائتها، أو من أجل أن تتناقشا في الكتب التي انتهيتما من قراءتها بالفعل. ذلك الصديق سيكون رفيق القراءة الذي سيربطك بالقراءة أكثر وأكثر.
9- اعقد صفقة مع نفسك
اعقد صفقة مع نفسك كي تستمر في القراءة، حتى وإن كنت لا ترغب في ذلك. هذا الأسلوب معروف دائمًا لتحفيز النفس على الالتزام بعادات صحيّة في مقابل مكافأة ما. يُمكنك أن تعقد اتفاقًا مع نفسك، بأنّك مثلًا لن تخرج مع صديقك قبل أن تُنهي كتابك، أو أنّك لن تأكل قطعة الحلوى الخاصة بك قبل أن أن تقرأ لمدة نصف ساعة، افرض القليل من السيطرة على نفسك، وكافئها إن أحسنت التصرف.
10- استخدم لوحة تتبّع للقراءة
بعض الأشخاص قد يُفيدهم استخدام آداة بسيطة كلوحة مكتوبة بخط اليد، أو ورقة مطبوعة من خلال الانترنت، يتم عن طريقها عملية التتبّع اليومي للقراءة، عن طريق تسجيل عدد الصفحات التي قمت بقرائتها، وكم من الوقت استغرقته في القراءة مثلًا. طبعًا هذه الفكرة أشبه بلوحات الأطفال التي يستخدمها الآباء في تقييم سلوك أطفالهم، والذين في نهاية اليوم يحصلون على وجه سعيد ونجمة كبيرة، أو وجه حزين بلا أية نجوم. يُمكنك أن تقوم أنت بتحفيز نفسك بنفس الطريقة، عن طريق الالتزام بتسجيل معدّل القراءة اليومي كما ذكرنا.
11- استخدم الكتب الصوتية
هل جربّت الاستماع إلى الكتب الصوتية من قبل؟ إنّها تقنية رائعة حقًا، فُيمكنك أن تستمع إلى الكتاب الذي تختاره وأنت تقود سيارتك مثلًا، أو في حال كانت عينك مُجهدة ويصعب عليك القراءة، وهي وسيلة فعّالة جدًا للقراءة، تستخدمها السيدات وهي تقوم بأعمالها المنزلية التي لا تحتاج إلى تركيز عالي، وهي مناسبة جدًا أيضًا للأشخاص الذين لديهم ذاكرة سمعية جيدة.
12- اجمع معلومات عن الكتاب أولًا
لا بأس في أن تقوم بالبحث قليلًا عن الكتاب الذي تودّ قراءته قبل أن تقرأه، حتى تتأكّد من أنّه سيروقك، بدلًا من إهدار الوقت في قراءة كتاب ممل أو غير مفيد. يُمكنك أن تبحث عن مراجعات ذلك الكتاب في المواقع المختلفة من قبل النقّاد أو القرّاء عامة، والذين من خلال رأيهم ستكوّن انطباعًا ما عن الكتاب، يُمكّنك من معرفة هل هو من نوعية الكتب المفضلة لك أم لا.
13- تخطّي القصص غير المهمة
هناك الكثير من الكتب المهمّة، والتي في نفس الوقت مليئة بحشوٍ من القصص أو الأمثلة أو الشروح، لذلك لا بأس في تخطي تلك الأجزاء المكررة أو غير المهمة، هربًا من الملل الذي قد يجعلك تترك الكتاب، وأيضًا استفادةً بالوقت. لذا لا داعي لا للشعور بالذنب، وأنت تقفز ما بين السطور، هاربًا من استطرادات لا أهمية لها، ولتبق عيناك على ما هو جدير باهتمامك بالفعل.
14- اترك الكتاب الذي لا يروقك فورًا
من صاحب الفكرة الشائعة والخاطئة، بأنّك يجب أن تُنهي الكتاب طالما بدأت بقراءته؟ لا يجب عليك أن تُنهي كل كتابًا تقرأه. فببساطة، إن لم تعد تشعر بالاستمتاع وأنت تقرأ، فاترك الكتاب الذي بين أيديك ولا تشعر بالذنب لذلك أبدًا، فطالما بدأت في التململ أثناء القراءة، وأخذت وقتًا أطول من اللازم كي تُجبر نفسك على أن تُكمل كتابًا سخيفًا أو مملًا، فأنت لا تحب ما تقرأه، لذا ضع هذا الكتاب جانبًا، واختر كتابًا آخر فورًا.
15- اقرأ أكثر من كتاب في نفس الوقت
لا بأس في أن تقرأ أكثر من كتاب في نفس الوقت، فلا تُلزم نفسك بإنهاء الكتاب الذي بدأته، قبل أن تقرأ كتابًا شعرت بأنّك تُريد قراءته حالًا، أن تقرأهما معًا في نفس الوقت، خيرٌ من أن تتخلى عن قراءة الكتاب الأول لتقرأ الثاني، هذا إذا كان الكتاب الأول يستحق القراءة بالطبع.
16- استخدم مواقع مُتخصصة
هناك بعض المواقع المتخصصة التي تُحفزّك على عادة القراءة أكثر، أشهرها Goodreads بالطبع، وعن طريقها يُمكنك اختيار الكتب التي تودّ قرائتها لاحقًا، لتظهر على شكل قائمة يُمكنك الإضافة إليها في أي وقت، كما يُمكنك أن تعرف نصائح وأي أصدقائك في الكثير من الكتب التي قرأوها، ويُمكنك أن تدوّن اسم الكتاب الذي تقرأه حاليًا، وتُسجل عدد الصفحات التي تقوم بقرائتها بشكل دوري، حتى أنّه يمكنك تحديد موعد يُلزمك بأن تُنهي الكتاب فيه، في خلال الفترة التي تقوم بتحديدها أنت وفقًا لظروفك. هذا النوع من الالتزام يُحفزّك كي تنهي الكتاب الذي تقرأه، حتى لا تتخطى الوقت المسموح لذلك.
17- دوّن بينما تقرأ
ربما يكون الأمر ممتعًا أكثر إن قمت بتدوين تعليقك على ما تقرأ، أو أفكارك أثناء القراءة، وذلك إمّا في مفكرة صغيرة، أو على الورق اللاصق الملوّن الذي يمكنك أن تلصقه على صفحة الكتاب، أو حتى في الكتاب نفسه، هذا إن كان الكتاب ملكًا لك بالطبع، وإن كنت تملك الشجاعة لفعل ذلك. فالكثير من النّاس لا يفضلّون ذلك الاختيار الأخير. هذا الشيء يربطك بالقراءة أكثر، ويُحفزّك على التفاعل مع ما تقرأ.
18- اقرأ في كل مكان
يُمكنك أن تقرأ في المواصلات العامّة، وأنت تنتظر صديق في مكانٍ ما، في أوقات الراحة من العمل، أثناء الأكل، وقبل النوم بالطبع، اصطحب دومًا كتابًا معك وأنت خارج المنزل، واقرأ في أي مكان تجده مناسبًا، حتى تصبح القراءة عادة لك.
19- اقرأ للصغار
اقرأ لأبنائك أو لأبناء أخوتك أو للأطفال الذين تعرفهم من الأقارب والجيران، ستجد أنّ الأمر ممتعًا جدًا، وسترى بنفسك تأثيره على الصغار، وستتعلق أنت نفسك بالقراءة أكثر.
20- اجعل الأمر مُمتعًا
وأخيرًا، هيئ نفسك كي تجعل من وقت القراءة وقتًا مُمتعًا، كجلوسك في مكانك المفضل، جالسًا أو نائمًا، أعدّ مشروبك الذي تُحبّه بجوارك، وربما بجواره قطعة من الحلوى إن كنت تُفضّل هذا، اجعل المكان والإضاءة، مريحان قدر الإمكان، ابتعد عن الضجيج والمؤثرات التي قد تُشتّتك أثناء عادة القراءة، ستجد في النهاية، لو كنت اخترت كتابًا جيدًا بالطبع، أنّ هذا الوقت ربما هو أروع وقت في اليوم كله..