الأدب مرآة الشعوب ورمز الحضارة

لقد خلق الله آدم عليه السلام وعلمه الأسماء كلها ثم علم الإنسان بالقلم مالم يعلم إنها الميزة التي ميز الله بها البشرية لسان ناطق وعقل يفكر ويد تخط وتكتب هكذا بدأت رحلة الإنسان في توظيف هذه القدرات للتواصل مع بني جنسه فهو كائن اجتماعي يألف ويتآلف في شكل جماعات لم ترقى إلى تجمعات حضارية في البداية وقد كانت اللغة جسرا لكل بناء تواصلي بشري طيلة مراحل تطور الإنسان فمن قبائل اتسمت بطابع الصراع إلى جماعات تشاركية ثم شعوب شيدت حضارات خلدها التاريخ كحضارة بلاد الرافدين والحضارة الفرعونية المصرية والحضارة الإغريقية والصينية والإسلامية وغيرها ثم وصولا إلى عصر الإمبراطوريات العظمى مثل الإمبراطورية البزنطية والرومانية والعثمانية وماشهده عصر النهضة الأوروبية الذي وصف بعصر الثقافة الفكرية إلى غاية ميلاد الدولة الحديثة بعد معاهدة وستفاليا 1648 وماعرفه العصر الحديث من إنفجار علمي وتكنولوجي خاصة بعد الحربين العالميتين والحرب الباردة على غرار بروز العولمة التي عولمت كل القيم والثقافات ومن هنا طرحت عدة تساؤلات حول هذا التطور والزخم الحضاري المتفرد والمتنوع الذي شهدته الإنسانية بكل المجالات منها : كيف نجح الإنسان في إيصال ثقافته والتعبير عن مامر به من تطورات وأحداث عايشها في كل عصره ؟.
ما مختلف الوسائل والأشكال التي انتهجها الإنسان ليبني جسر التواصل عبر مختلف الأجيال ؟
لا شك أن اللغة والكتابة كانتا أهم الوسائل في نقل ثقافات الشعوب وازدادت أهميتهما بعد عصر النهضة واكتشاف الطباعة التي ساهمت بقسط وافر في ظهور الأدب الحديث القائم على التدوين وما صاحبه من ثورة إبداعية جسدها فن الأدب .
فبدون مبالغة نقل الأدب صورة عن حياة تلك الجماعات و الشعوب والحضارات بل كان المرآة التي عكست براعة الإنسان في استخدام اللغة والكتابة حيث قال وليام هازلت 1778/ 1830  الكاتب والناقد الإنجليزي (إن أدب أي أمة هو الصورة الصادقة التي تنعكس عليها أخلاقها).
لقد كان فن الأدب وسيلة للتعبير عن كل مكنونات الإنسان من هواجسه وأفكاره وخواطره وعواطفه وأسلوب حياته عبر مختلف العصور بل أكثر من ذلك كان الأدب صورة فنية استنطقت واقع الإنسان الذي ترجمته اللغة بأرقى الأساليب لتصبح فنونا عالمية كالرسم والغناء والشعر والنثر والقصة والخطابة والرواية والمقال والمسرح .

ومن هنا فالأدب من أرقى الفنون التي تعكس الواقع و الركن الأهم في بناء الإنسان كونه حاجة فطرية في الإنسان تعبر عن واقعه وشعوره من خلال مختلف النقوش والرسومات والأحافير التي استخدمها في العصر الحجري وعصر الحضارات القديمة وقد كانت في معظمها محاكاة للطبيعة، كما أن الأدب رؤية للحياة البشرية و وسيلة ربطت بين مختلف الشعوب ساهمت كثيرا في تنمية قدرات الإنسان .

الأدب عند العرب
اختلفت تعاريف كلمة الأدب عند العرب والغرب فقد عرفت كلمة أدب

 لغة عند العرب :أدب، يأدب، مأدبة أي الداعي إلى الطعام 
اصطلاحا : تعني الكلام الجميل الصادر عن عاطفة والمؤثر في النفوس 
كما جاءت كلمة أدب عند العرب بالأخص في العصر الجاهلي لتدل على الدعوة للولائم ودلت أيضا على رياضة النفس وتعبر عن السيرة والخلق والتعليم ووردت كلمة أدب في معجم الأدباء للدلالة على جميع أنواع المعرفة والإنتاج العقلي والمعنى الخلقي كما عرف الأدب أيضا بأنه فن العقول والنظم
تعرف أيضا كلمة أدب اصطلاحا عند العرب بأنها كل ماهو مكتوب باللغة العربية من نثر وشعر وقصص ورواية ومسرح ونقد.
وقد ظهر الأدب عند العرب خلال القرن الخامس وازدهر بعد ظهور الإسلام كما اختلفت معاني الكلمة وتوسعت لتشمل مجالس الأخلاق واجتماع خصال الخير في الإنسان.
أما في العصر الحديث يعرف سيد قطب الأدب بأنه كل ما يكتب في اللغة من العلوم وهو تجربة شعورية تتصف بالجمال والتأثير من خلال الشعر والنثر والمسرحية والرواية والأمثال. 
الأدب عند الغرب
استخدمت كلمة أدب في البداية عند اليونان للدلالة على القراءة والكتابة ثم توسعت لتعبر عن الثقافة الأدبية ومجموع الأدب اليوناني باسم litteratura إلى غاية العصور الوسطى ثم تطورت في عصر النهضة واستخدمت في كتابات إراموس باسم druden literas لتدل على جميع الكتابات النوعية  literature ..أما في القرن 17 وصفت كلمة الأدب بالفن الجميل .belles lettres وشمل النحو والفصاحة والشعر، وتطور ليصبح مذهبا خاصا بالإنسان تحت تسمية letters humaines .
وجاءت كلمة الأدب لتدل أيضا عند الغرب على التبحر واستخدمت في اللغة الفرنسية والإيطالية .
أما في العصر الحالي فإن الأدب هو الكلام البليغ الذي يؤثر على القراء بكل أشكاله .
اذن فالأدب سواء كان عربيا أو غربيا يتفق على الأركان الأساسية والتي تتمثل في :العاطفة، الأفكار، الألفاظ، التراكيب المعبرة والخيال، فهو إذن مزيج بين العقل والعاطفة والسلوك.
هذا بالنسبة لتعريف كلمة الأدب وتطور مدلولاتها عند العرب والغرب من خلال بحثنا في المعاجم اللغوية.

الأدب المصري واليوناني ابداع واستلهام

كانت الحضارة المصرية القديمة واليونانية من أهم الحضارات التي عرفتها البشرية - استلهمت الأدباء والشعراء والفنانين لعقود من الزمن الى يومنا هذا،حيث ساهمتا في تطوير الحياة الاجتماعية والثقافية الإنسانية بل كانتا تشكلان مرجعية لكل الفنانين والأدباء والشعراء
وقد ظهرت الحضارة المصرية القديمة سنة 3150  قبل الميلاد على ضفاف نهر النيل، وقد ازدهرت بها فنون النحت والرسم والغناء، واشتهرت بفن العمارة الذي يعتبر من أفخم الفنون المصرية مثل الأهرامات والمعابد باستخدام الرخام والصخور، وكان اهتمام المصريين قديما موجها نحو الرسم والنقوش على الحجارة، إذ كانت الطبيعة عنصر الإلهام في مختلف العصور القديمة ومصدرا أساسيا في نقل مختلف الصور والنقوش التي تعبر عن حياة الإنسان.
لقد خلف المصريين القدامى موروثا ثقافيا وأدبيا راقيا من خلال الإنجازات الباهرة للحضارة المصرية الفرعونية كفنون العمارة والصناعة والزراعة وعلوم الطب والتخطيط والرياضيات والهندسة والفلك وغيرها من ابداعات مصر القديمة عبر مختلف النقوش على التوابيت والأواني ، واعتبر المصريين أول من اخترع الكتابة واستخدموا المداد الأسود في كتاباتهم على ورق البردي، كما اهتموا بالتعليم وبرعوا في الأدب الديني عبر نصوص الأهرام التي سجلت على جدران بعض الأهرامات ناهيك عن الكتابات التي تدون وتوضع مع الموتى .
كما كان الأدب في الحضارة المصرية القديمة محاكاة للطبيعة بامتياز وخلدت أساطير كثيرة عنها مثل الشمس والنيل ..
وبذلك استطاع المصريين نقل كل ما يحيط بهم، وما يعكس واقع حياتهم من وحي الطبيعة، وهذا ما تميزت به مختلف النقوش على الحجر، وجدران المعابد ،وقد عرفت الكتابة مجموعة من الخطوط بداية من الكتابة الهيروغليفية التي تعني الكتابة المقدسة حيث تميزت بالدقة والجمال في نقل قصصهم، ثم تطورت لتعرف ظهور خطوط أخرى مثل الخط الهيراطيقي الكهنوتي والخط الديموطيقي الشعبي والخط القبط ، حيث كل رسم يعبر عن رمز لشيء ما وصوت معين، واعتبرت الكتابة أشرف المهن في الحياة حررت كل التقاليد الأدبية والاجتماعية من خلال النصوص اللاهوتية والطبية، كما أنها شكل من أشكال الفنون والإبداع البشري، وقد اتبعت الكتابة على أوراق البردي نفس الطريقة المتبعة في النقوش على الجدران رغم صعوبتها .
وقد اختص الكتاب في الحضارة المصرية القديمة بمكانة عالية فهم أول من خلقوا نظاما متفردا في إظهار وإخفاء المعنى أحيانا على العامة من قبل مجموعة النخبة، واعتبر ورق البردي وسيلة في نقل كل إبداعات الأدباء المصريين القدماء لمؤلفاتهم وفنونهم للأجيال والحضارات التي جاءت بعدهم .
إذن عرف التاريخ نموجا رائعا من الحضارات الإنسانية القديمة وأكثرها إبداعا تجلت في الحضارة المصرية، و التي شكل الأدب فيها ركيزة الحياة الفكرية حيث تنوع بين الأدب الديني والقصصي إلى أدب الوعظ والإرشاد، هذا وقد ارتبط الأدب، و كتابة القصص في مصر القديمة بمفاهيم البعث والحياة بعد الموت باستعمال مختلف الصور، ومهما حاول الإنسان في العصر الحديث التعمق في تاريخ الحضارة المصرية سيبقى جزء منها غامض لم يتم اكتشاف أسراره إلى اليوم، ومازال لغز آثارها يستلهم المؤرخين والباحثين عبر العالم ويكفي أن تأثرت بها باقي الحضارات وأخذت الكثير منها.

أما عند اليونان فقد اختلفت اللغة المستعملة في الأدب اليوناني عن نظيرتها في الحضارة المصرية عبر مختلف تلك العصور، وتمثلت في الأيونية، والأيولية، والدورية، والأتيكية، كما اعتبر المؤرخين أن اللغة اليونانية القديمة الحقيقية اقترنت بإلياذة هوميروس والأوديسة ما يسمى بأدب الملاحم، التي ركزت على بطولات الإنسان اليوناني وفكره، وهذا ماحملته حرب طروادة، وغيرها.

احتل الأدب اليوناني القديم نحو 28 قرنا خلت وكان أقدم ماتم تأريخه ملحمتا الإلياذة والأوديسة لهوميروس وقصائد هوسيود، وتعتبر الفلسفة اليونانية ملهما حقيقيا للفكر الأدبي اليوناني خاصة في أدبيات أبسيوس، وكالينوس، وميمنرموس، ومختلف الفولكلوريات الشعبية اليونانية .
لقد استمد اليونانيون إبداعهم الأدبي من مختلف الأساطير البطولية، والحكايات الشعبية الكثيرة، ومن تلك التأملات الدينية كتناول شخصيات الآلهة المتعددة طيلة الفترات التي عاشها اليونانيون، ثم طوروا فكرهم ودونوا أدبهم الذي اعتبره المختصون في الفكر الأدبي أساس النظم الملحمي، والسرد الوصفي، والشعر الغنائي المميز لدى اليونانيين ومن أشهرهم أرخيلوخس بقصائده المميزة مثل قصيدة الإليغيا، والشعر الذاتي الذي تفرد به حتى صارت قصائده نموذجا للوزن، والأسلوب اللغوي خلال القرن الخامس قبل الميلاد .
لم يقتصر الأدب اليوناني على الشعر والقصص فقط بل تعداه إلى فنون الدراما والمسرح والكوميديا، فالمسرحية الإغريقية تركت بصمتها على تراث المسرح العالمي من أشهر شعراء الكوميديا الإغريقية أريستوفان، واهتم اليونان أيضا بفن النثر، والخطابة وكتابة التاريخ اليوناني، كما تعتبر كتابات أفلاطون وأرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد أجود ماخلفه، وانتجه الفكر اليوناني والثقافة اليونانية ضمن الفكر الغربي، والذي أثر في معظم الحضارات الأخرى.
كان الأدب اليوناني القديم مثالا حيا لإبداع الفكر الإنساني بدون مبالغة عبر مراحله الثلاثة ماقبل الكلاسيكية و الكلاسيكية، والهيلينية في مختلف أنواع الفنون الأدبية عبر العصور البشرية، وقد شهد الأدب اليوناني تطورا ملحوظا في القرن الأول الميلادي، تجلى في اسهامات بلوتارخس الذي قدم نموذجا جديدا في كتاباته يبرز فيها أوجه التقارب بين الحضارة اللاتينية واليونانية وكان للفلسفة تأثيرا عميقا على هذا التطور، خاصة الفلسفة الرواقية، حيث وانتشرت روايات جديدة أظهرت جمالية الثقافة اليونانية الأدبية نذكر على سبيل المثال الرواية الايروسية التي ركزت على سرد قصة الاسكندر المقدوني .
وفي المرحلة البزنطية استخدمت اليونانية كوسيلة للتعبير الأدبي وتأثرت بأدب الكنيسة، كما تميزت هذه المرحلة بتراجع المسرح والشعر الغنائي وظهور ملاحم أدبية امتزجت فيها عامية الشعب بالأسلوب الأدبي اليوناني القديم
وقد تأثر الأدب اليوناني كثيرا في هذه الفترة بسقوط القسطنطينية واحتلال جزء من أراضي اليونان لذلك ركزت كل الجهود على حرب التحرير.. 
فكانت الأعمال الأدبية قليلة بسبب تراجع دور قبرص وكريت خاصة في ظل تواجد العثمانيين الذين احتلوا مناطق من اليونان، واقتصرت الحركة الثقافية الأدبية آنذاك على الأغنية الشعبية.
واستمر تركيز الأدب اليوناني على حركة التحرير في القرن 18 حتى تم إعلان أثينا عاصمة للأجزاء المحررة من اليونان عام 1834 ، لتصبح مركزا استلهم الكتاب من كل أنحاء العالم فبرزت كوكبة من الشعراء والقصص القصيرة التي شكلت لحمة بين الأدب اليوناني القديم والحديث، نذكر منها قصص ألكسندروس باباديامدس وروايات أندرياس، أنغلوس سيكليانوس
أما في القرن 19 والقرن 20 تأثرالأدب اليوناني بهزيمة اليونان على يد تركيا عام 1922 فظهرت موجة جديدة تنبذ التشبث بالقيم والمثل القديمة وتحث على حتمية الالتفات للواقع وليس تمجيد الماضي والإهتمام بقضايا الحاضر، و في فترة الحرب العالمية الثانية برزت في الأدب اليوناني الروايات الفلسفية والملحمية وتطور ليصبح جزءا من الأدب الأوروبي الحديث، حيث كانت الثقافة الأوروبية أبرز العوامل المؤثرة في هذا التوجه ووهو مابرز جليا في روايات وشعر كوستاس كوريوتاكس ثم غيورغيوس سفريس وأوديسيوس إليتس الذين تحصلا على جائزة نوبل للأدب 1963 / 1979 والشاعر رانيس ريتسوس الذي ألف 100 ديوان حتى 1999 وكان من أشهر الشعراء في الأدب اليوناني الحديث .
ختاما قدم الأدب اليوناني نموذجا راقيا للإبداع الفكري تأثرت به معظم ثقافات العالم إن لم نقل جلها فترجمت العديد من الروايات والملاحم اليونانية والمسرحيات كان من أهمها الأوديسة، والإلياذة ناهيك عن دور الفلسفة اليونانية وماقدمته للفكر البشري، كان أبرزهم سقراط، أفلاطون، أرسطو ،كما حظي الأدب اليوناني القديم والحديث بالاحترام والتقدير العالمي الى يومنا هذا . 


بقلم/ سامية بن يحي 
----------------------------------------

احالة

البردي : نبات عرفه المصريين القدامى أما اللغة المستخدمة اختلف في تحديدها ذهب  بعضهم الى  أنها اللغة العربية 
ولمزيد من التفاصيل نوجه القارئ والباحثين المهتمين  بمطالعة بعض من الكتب التي اخترناها لأهميتها منها كتاب أهم الحضارات ملامح عامة لأول حضارة صنعها الإنسان مختار السويفي تقديم الدكتور محمد ابراهيم بكر، وكتاب تاريخ حضارات العالم شارل ستيوبوس ترجمة محمد كرد علي ، كتاب تاريخ الأدب اليوناني تأليف علاء صابر، كتاب تاريخ حضارات العالم لمؤلفه شارل ستيوبوس ترجمة محمد كرد، وكتاب الفكر الإغريقي محمد الخطيب.

 

 

الأدب- الحضارة -الادب اليوناني - الأدب المصري