تأليف : أحمد نذير السادات

حدث لي ذلك إبان ولادة أحد أطفالي، فقد كانت عملية الولادة شاقة جداً واعتراني نزيف شديد، وسبق للطبيب أن عدل عن إنقاذي. وعندئذ أدركت وجود جماعة من أناس يحومون عند سقف غرفتي، وكانوا جميعاً أفراداً انتقلوا إلى الحياة الأخرى، كنت أعرفهم في السابق، وقد كانت اللحظة رائعة بإشراقها». هذه واحدة من الشهادات الكثيرة التي أدلى بها أناس تعرضوا لتجربة (الموات) أي الموت المؤقت. مؤلف كتاب (الحياة ما بعد الموت) د. ريمون موزي طبيب ودكتور في الفلسفة قام خلال أكثر من عشرين عاماً بجمع شهادات أناس عاشوا الـNDE.‏ سؤال حول طبيعة الموت يثير إجابتين متناقضتين قديماً.. وحتى الآن فالبعض يؤكد أن الموت يؤدي إلى انحلال الوعي، بينما يؤكد آخرون أن الوفاة انتقال أو نقل النفس، ونقل الذهن، أو الإنسان الميت إلى بعد آخر.. هو من حقيقة الواقع. خلود النفس قضية مثيرة للجدل عالجه أفلاطون بكتابه «فيدون» وحرض الكثيرون ومنهم طلبة الدراسات الفلسفية ومع الدكتور ريمون للوقوف على قصص حول (الموات) أي إبقاء الحياة بعد الموت البيولوجي (المؤقت) ومازال الجميع يقف من هذه القصص موقفاً مترقباً. قضية مثل تجربة (الموات) في هذا الكتاب تعود إلى معتقدات الكاتب الإنسانية وربما الدينية، ويطرح نظرية عبر المعاينة والاستنتاج ليصل في النهاية إلى أن الموت أسهل بكثير مما نتوقعه! فالنماذج الإنسانية التي قاربت الموت.. تشابهت شهاداتهم تشابهاً مدهشاً.. ففي ذروة الضيق الجسدي (لحظة دخوله الموت) يسمع ويعي ما يفعله الطبيب أو من يلاحظون موته، ويشعر بأنه مخطوف بسرعة شديدة خلال نفق معتم وطويل، ثم فجأة يتواجد خارج جسده المادي دون أن يغادر جسده، ويلاحظ محاولات انعاشه ويلبث في حالة من التوتر الشديد نفسياً، بعد ذلك يستدرك ثم يتأقلم شيئاً فشيئاً مع غرابة وضعه الجديد، مع إدراكه بأنه مازال يمتلك جسداً آخر اتخذ طبيعة خاصة جداً.. ثم بعدها ثمة كائنات من الأرواح تتقدم للالتقاء به تريد منحه المعونة، ويلمح أرواح بعض أهله وأصدقائه الذين قضوا نحبهم قبله، وفجأة يحضر كيان روحي ينبض بالحب -كائن من نور- يطرح عليه سؤالاً بغير كلام بشري يجعله يقوم بحصيلة حياته السابقة، ويوفر له هذا الكيان رؤية فيما، بعد محاولاً شرح ما حدث معه.. لمن حوله.. وبالتالي ليصطدم بعراقيل: ففي البداية يعجز عن وصف حادثة (غيابه عن الحياة) وبأن الناس لايصدقونه. لجعل القارئ في حالة تنبه ويقظة كان على المؤلف اعتماد (الشاهد الحي) لإحداث انطباع قوي عند القارئ لا يرقى إليه الشك بأن ظاهرة الموات ظاهرة قابلة لأن يصدقها العقل وبالتالي عقلنة الموت ليقبله البشر، وهذا ما سعى إليه الكتاب.. لا ليؤرق الوعي إنما ليبسط صورة الموت، وبالتالي خلق علاقة جديدة مع الحياة.. فهذه التجربة قلبت حياة (المواتيون) رأساً على عقب . إذا كنت تبغي قياس قضية الموت المؤقت وما يحدث فيها بمنظور علمي يعتمد القوانين المجردة، فالكتاب لن يشفي غليلك.. فلا إثبات.. ولا نفي، إنما هي شهادات أدلى بها أصحابها، فالوسيلة الوحيدة لسد حاجة البشر، وتسكين المخاوف من الموت وما بعده إلى الآن... مازالت مرهونة بالاطلاع على تجارب شخصية إنسانية بحتة كما في كتابنا يجد القارئ نفسه ومنذ الصفحات الأولى أمام فكرة يتحمس لها المؤلف والسعي المتواصل من قبله عبر قصص رواها «مواتيون».. ليخلق تبريراً عقلياً.. عبر تحليل يتجنب فيه اللبس أو الغموض.. ويدفع بالقارئ للاعتقاد أن رغبتك في الحياة.. لا تعني الرعب من الموت والانصياع له دونما ذكر.. ولا أن تتوجس منه شراً.

---