صدرت هذه الرواية عام 2017 للكاتبة العراقية الغنية عن التعريف إنعام كجه جي عن دار الجديد في بيروت، و وصلت للقائمة الطويلة للبوكر لعام 2019، وهذه ليست المرة الأولى التي يصل فيها عمل لهذه الكاتبة لهذه القائمة.
تحكي في هذه الرواية قصة الصحافية العراقية “تاج الملوك عبد المجيد” خلال الحقبة الملكية العراقية، صاحبة أول مجلة في بغداد والمتمردة ضد الحكومة آنذاك، وكما باقي روايات الكاتبة لاقت هذه الرواية إشادة القراء والنقاد معًا.
بتتابع سردي سلسل يشد القارئ في كل أجزاء الرواية تتابع تفاصيل ثلاث شخصيات رئيسية في الرواية من الصعب عليك التفريق بينها في أي منها الشخصية الرئيسية التي تستحق لقب بطل الرواية، من خلال هذا العمل ستعرف الكثير عن تفاصيل المجتمع والحياة العراقية خلال أربعينيات القرن الماضي وحتى التسعينيات منه.
- "النبيذة" مؤنث "النبيذ"، أي المتروكة أو المهملة أو المرمية، متروكة لوحدها ومهملة في مستشفى ومرمية بين المنافي التي اختارت بعضها واختار القدر لها البعض الآخر، القصة شخصياتها حقيقية (حسب الكاتبة)، حاولت في بدايتها البحث قليلاً عن ذلك مستعيناً بالنص (أول امرأة تؤسس جريدة في العراق، صحافية مذيعة في راديو كراتشي،...)، فلم أجد الرابط و أظن أن شخصية "تاج الملوك" عبارة عن عدة شخصيات قد تكون حقيقية قامت الكاتبة بدمجها في شخصية واحدة، أو قد تكون شخصية لا نعلم عنها شيئاً وقامت الكاتبة بإضافات حولها لعدم الكشف عن أسمها ولإستثمار الإضافات بما يخدم الرواية !!
- تنسج الكاتبة روايتها على ثلاثة مسارات:
المسار الأول بشخصية "تاج الملوك" امرأة متحررة، مثقفة، جميلة وجريئة، قنبلة جنسية (حسب وصفها) وفلتانة بمزاجها، تخوض في الصحافة والسياسة في ثلاثينيات القرن الماضي على أرض بغداد (الحبيبة) إبان الحكم الملكي ونوري السعيد ومعاهدة "بورتسموث" مع بريطانيا، والثورات المناهضة لها، ثم إلى باكستان (كراتشي) والعمل في الإذاعة حيث تلتقي بالمسار الثاني للرواية والحب العذري الذي ينشأ او الإنجذاب المقدّس، ثم إلى إيران والليلة الحمراء مع أحد الأمراء، إلى باريس والزواج من جاسوس ومشاركتها في العمليات لصالح المخابرات الفرنسية، ثم الوحدة والإنعزال في بيتها حيث تدخل الشخصية الثالثة للرواية في حياتها، فعودة سريعة الى إيران فرجوع إلى فرنسا فتواصل مع حبيب بعد ربع قرن.
المسار الثاني بشخصية "منصور البادي" غادر فلسطين مع بدء احتلالها من العصابات اليهودية، إلى بغداد فكراتشي حيث يغرم ب "تاج" دونما اعتراف أو علاقة حب، إلى مصر ثم إلى لبنان ومنه إلى فنزويلا حيث يتابع دراساته ويلمع نجمه ويصبح مستشاراً لأهم شخصية في تاريخ فنزويلا بعد "بوليفار"، الشاب الفلسطيني الذي تهجّر وبقيت فلسطين في وجدانه و زاد عروبةً رغم حياته الجديدة، والذي بقي على حبه ل "تاج" رغم زوجتين وأربعة أبناء!
المسار الثالث بشخصية "وديان"، الفتاة العراقية الجميلة التي أصبحت صماء نتيجة اعتداء أحد ازلام النظام إبان عهد صدام عليها، وقد يكون "الأستاذ" ابن صدام أو أبن أي عاهرة من أزلام الأنظمة الدكتاتورية، وديان الجميلة التي نبذتها عائلتها بدل احتضانها ونبذها خطيبها (الدنيء و ربما المغلوب على امره)، واحتضنتها فرنسا وعالجتها، لكنها بقيت مسكونة بالعراق وبخطيبها وخوفها من الرجال وابتعادها عنهم، عالجت الصمم لكن روحها بقيت متكسرة وتائهة.
- تعتمد الرواية على أسلوب الـ "فلاش باك" على امتداد ثمانين عاماً من باكستان شرقاً حتى فنزويلا غرباً، بأسلوب روائي ممتاز جمع ما بين السيرة الذاتية بالوصف الدقيق والسرد الممتع (في أغلب الرواية) والمعلومات التاريخية لتكون الرواية مزيجاً حلواً أقرب للنبيذ من النبيذة! اللغة كانت قوية ببساطتها والأمثال العراقية والشعر والأهازيج وبعض الأغاني كانت موفقة، هذا المزيج جعل تذوق الرواية سلساً وممتعاً.
إنها تستحق بجدارة لأن تكون ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2019..
النبيذة،إنعام كجه جي