5 | رغوة سوداء

صدرت هذه الرواية عن دار التنوير في بيروت عام 2018 للأريتيري حجي جابر، الذي وضح فيها كيف تدفع الظروف المأساوية في البلدان الأفريقية الفقيرة بالشباب للهجرة إلى ما يعتقدون بأنها الأمكنة التي ستمنحهم أحلامهم على طبق من ذهب، ليتفاجؤوا بالنهاية بواقع مغاير لما تخيلوا.

إذ يحكي الكاتب في هذه الرواية قصة شاب يغير اسمه وتاريخه وحياته في سبيل أن يحصل على فرصة للهجرة إلى الأراضي المحتلة في فلسطين بعد أن يقوم بتغيير شخصيته والتظاهر بأنه واحد من يهود الفلاشا وبالتالي الهجرة معهم إلى هناك سعيًا وراء حياة أفضل، ليصطدم بالواقع الذي يكشف عن عنصرية فاضحة تجاه حاملي البشرة السمراء.

منطلقا من الخلفية التي دفعت يهود الفلاشا إلى الهجرة إلى اسرائيل، يسرد حجي جابر حكاية البؤس الذي يدفع بالشباب في البلدان الفقيرة إلى بذل كل شيء في سبيل الهجرة إلى مكان يعتقدون أنه يؤمن لهم فرصة أفضل في الحياة.

يسرد لنا كيف أن الواحد منهم مستعد للسرقة ولارتكاب المخاطر، وللكذب واختراع حياة غير تلك التي عاشها... والهدف واحد: الفرار من البؤس والأمل في حياة أفضل.

هكذا يفعل، داويت الذي لم يكن يهوديا، فيخترع لنفسه شخصية جديدة، مغيراً اسمه وتاريخه، ويفعل أقصى الممكن حتى يستطيع الخروج مع يهود الفلاشا إلى إسرائيل... وهناك تبدأ معاناة جديدة يكتشفها في المهاجرين سمر البشرة الذين سبقوه إلى هناك، ويدخلنا في تفاصيل حيائهم وبؤسهم ومعاناتهم... ثم في حياة وبؤس الذين هاجروا إلى أرض الميعاد مع حلم أنها ستوفر لهم حياة كريمة... لكن هذا الوهم يروح يتبدد، ويغير اسمه مرة أخرى ليعيش حياة أخرى... لكن كل هذ لم ينقذه من حالة الخوف التي يعيشها عل حياته... ولا من التمزقات التي يعانيها سواء بسبب لون بشرته أو بسبب كونه مهاجرًا...

عبر رواية «رغوة سوداء» سنتعرف إلى عالم نجهله، سيدخل حجي جابر إلى تفاصيله... إلى عمق أحلام وآمال "داود" ونظرته إلى الحياة والحب... والرغبة الشديدة في التخلص من حياة بائسة، إنها رواية الأحلام المجهضة على الرغم من كل التضحيات التي يبذها داويت... حين راح يعلم بعالم أفضل.

هذه الرواية جاءت مؤلمة، غريبة، صاخبة، تنهش الضمير الإنساني، تحاول أن تصل لعمق المعاناة الإنسان المشرد، اللاجيء، الباحث عن وطن، عن حياة، تحت صرير حروبٍ لا تهدأ وإنسانية عرجاء لا تعرف الرحمة، تبدأ الرحلة وتنتهي بالخوض في سؤال كبير جداً: متى سيتوقف الإنسان بالعبث بمصير أخيه الإنسان؟!!

حجي جابر روائي ماكر، يعرف كيف يدير دفة الحكايات، مراوغ، يعتني جداً بكيفة إدارة زمن الحكاية، تنقلاته بين الحاضر والماضي، بين الواقعي والمختلق ، غاية في السلاسة والمرونة، تشعر أنك أمام مخرج ذكي يعرف كيف يأخذ لب المشاهد، في السرد، في الحكي، يعتبر جابر قدوة في الأدب العربي في مهارة السرد والإيقاع المنتظم الحي للحكاية..

يبني الكاتب حججه السردية على أسس صلبة تخوله لحمل قضية ما لبلد ما ظلم قسراً في حيواته العادية مسلوباً من توافه غريزات الحياة من مأكل ومشرب ومأمن..

من خلال داويت أو داود أو ديفيد سوف تختلط الحياة واتنوع الحكايات راجية الخلاص من هم فقدان الهوية وسداً لظمًإ وجوع ولرغبة مدوية لآمان لم ينل منذ الطفولة... عنوان موفق "الرغوة السوداء" والتي عبر فيها عن الجنس الأسود حينما تلظفه الحياة إلى سطحها الموحش في حين ما يرجوه هو الإستقرار في القاع المستحيل ليجد المهرب من تلك التفرسات السافرة العنصرية التي تفسد على من إرتجاها هوس العيش لمجرد العيش.

إستقصاء جميل لبحث الرواية من خلال زيارة أماكن السرد لتطويع الواقع الخيالي في ذهن القارئ وأدوات جذابة مشجذبة صنعتها حروف حجي الخام للخروج برواية مختلفة تفضح المسكوت عنه وتحترم عقل القارئ محققة المعادلة الصعبة بإضافة عنصر التشويق المغري ..رواية تستحق الإطراء..

رغوة سوداء – حجي جابر - جائزة البوكر