13| بأي ذنب رحلت ؟

صدرت هذه الرواية عام 2018 عن المركز العربي للنشر والتوزيع في الرباط، للمغربي محمد المعزوز، ودخلت إلى القائمة الطويلة ومن ثم القصيرة للبوكر العربية لعام 2019.

تحكي الرواية قصة الفتاة رحيل، التي تحاول انتزاع حريتها من مرارة الأيام عبر الموسيقى، كما كانت أمها انتزعت حريتها عبر الرسم، حيث تقوم رحيل بالتخلص من زواجها بالطلاق وإعادة الأمل إلى ذاتها عبر الموسيقى والعزف.

بأسلوب خفيف وصياغة رقيقة أقرب ما تكون إلى الخاطرة منها إلى السرد الروائي، يحاول الكاتب من خلال عمله هذا إعادة إحياء فلسفة الخير والتسامح في النفس البشرية، التخلص من الأشياء التي يمكن أن تفرضها علينا العديد من العوامل منها الهوية والبيئة والوسط الاجتماعي.

هي مزيج من الرواية ذات الحبكة البوليسية والرواية ذات العمق الفلسفي والبعد الجمالي المرتكز على الموسيقى والفن، والرواية ذات اللمسة "السياسية" النقدية اللاذعة والتي تعري السياسة وتظهر عهرها!

الصياغة اتت بلغة رفيعة، رقيقة، قوية ومتينة على عادة الكتّاب المغاربة، مغلفة بأسلوب شعري وكمية ضخمة من الصور البيانية والإستعارات والتوريات، وقد ساعد الكاتب نوعية الشخصيات النخبوية في الرواية من فيلسوف وصحافي ويساري...

تحمل الرواية في طيّاتها تأملات سياسية (تظهر عبثية السياسة ولاجدواها وكيف تغيّر الناس وتقتل الصفات الخلقية..) وفنية (الرسم التشكيلي والموسيقى) مقرونة بنظرة ثاقبة للتحولات الإجتماعية خلال فترة من التاريخ المغربي (وقد تصحّ للتاريخ العربي بشكل عام)، لتشكل مجتمعة بعداً فلسفياً ينقلك من رتابة القصة ويكسر الخط الدرامي للرواية من اجل ان يعيدك لاحقاً اليه.

فلسفة العود الأبدي (نيتشة) كانت صلب هذه الرواية مع تكرار الخيبات والهزائم أمام الواقع، واختيار أسمي "راشيل" و"راحيل" لم يكن من قبيل الصدفة فالإسم هو نفسه ومعناه "الشاة" (من العبرية) ترجم للاتينية بـ "راشيل" وللعربية بـ "راحيل" وهذا التطابق بين الأم وابنتها هو امتداد للمعاناة الأبدية أضف اليها انتقال الفن والفلسفة من الأم لإبنتها كتكرار حتمي!

شخصيات الرواية قليلة (ست شخصيات) كلها قد أصابها الإغتراب عن نفسها وعن ماضيها ببعدي الزمان والمكان، والخيبات المتتالية والهزائم المادية والمعنوية، فترى "خالد" (زوج راحيل السابق) يبحث عن نفسه في شبابه وأيام نضاله، و"عبدالله" (والدها الذي لا تعرفه ولا يعرفها) عاش سنواته مغترباً عن الناس الذين يحيطون به وأمضاها حسب وصفه ناظراً للأرض غير عابئ بما يجري حوله بعد فقدانه لزوجته وابنته، و"جيهان" الصحافية التي ضاجعت السياسي بلحظة ضعف (وهذه رمزية للعلاقة المشبوهة بين السياسية والصحافة والعهر المتبادل بينهما) وعادت لتندم وتحب خالد وتبقى متشظية هنا وهناك، حتى "رؤوف" السياسي الإنتهازي الدنيئ قد أحس بلحظة بدونيته وغربته عن جوهره حينما قرر سلوك درب الشيطان.

النظرة السياسية المتنورة: الكاتب ضليع في فلسفة السياسة ونقدها وهذا واضح وصارخ في الرواية وقد يكون الإستهداف منها فمنذ البداية (ص38: "وجد أمامه وجهه فقط مشوهاً في مرايا مكسرة) يظهر لنا الكاتب ما تفعله السياسة بالشخص وكيف تغيره، ويتابع (ص200: "تبدو البلاد جسداً لا تحركه إلا الرغبة في الإلتذاذ الفردي... ذلك ثمن الطمأنينة وصعود النخبة نفسها التي تريد أن تكون هي نفسها لا شريك لها، هكذا تتشرد الصفوة المسكونة بنبل القيم..) رؤية سياسية ثاقبة، ويتابع ليخلص إلى (ص201" حكم الفرد المنفرد هو التلوّث الذي سمم تاريخنا بأكمله، انتقلت عدواه إلى كل الأفراد من مختلف مواقعهم، فتسمم الجميع وأضعنا التاريخ والطريق).

النجمة الضائعة: النجمة الضائعة أتت بسبب مقطع واحد (ص191" انتحر خليل حاوي احتجاجاً ضد شعب فقد عزّته وفضّل الإنكفاء متباكياً كالإوز الذي يسكنه الرعب) هذه مغالطة تاريخية خصوصاً أن "الشعب" اخرج القوات الإسرائيلية من بيروت وهي تنادي على مكبرات الصوت "لا تطلقوا النار نحن خارجون" بعد العمليات العسكرية كعملية الويمبي في بيروت وغيرها..

نعم؛ إنها تستحق بجدارة لأن تكون ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2019..

 

 

بأي ذنب رحلت ؟ ،محمد المعزوز ، كتب PDF